بقدر ما يبدو أن الأمر استتب للطاغية عبد الفتاح السيسي، تظهر تصرفات رعناء، تنم عن اضطرابه وخوفه من شارعٍ لم يعد قادرا على التحرّك. ليس آخرها قتل المخرج الشاب، شادي حبش، بسلاحٍ بات شائع الاستخدام، وهو الإهمال الطبي”، وهو السلاح الذي قتل به أول رئيس منتخب في تاريخ مصر، محمد مرسي، وعشرات غيره. وإن كان مفهوما الرعب من شخصية مرسي الذي يمثل الرئيس الشرعي المنتخب في وجه الانقلابي، فإن الصعب على الفهم اغتيال شاب مخرج غير منتم لجماعة الإخوان المسلمين، ولا لأي فصيل معارض، ولا يستخدم سلاحا غير الفن الساخر.اعتقل الفتى وهو في العشرين، ولم يُسمع لنداءات الاستغاثة التي كان يطلقها، فالمطلوب تحطيمه واغتياله، وهو ما تم. وسبقت ذلك تصفية عبدالله، نجل الرئيس محمد مرسي بالسلاح ذاته. النوايا تجاه جيل الشباب واضحة، ففي بواكير المواجهة بين السيسي وخصومه، اختار القنّاصة الذين يرون الضحايا بدقة متناهية، أسماء البلتاجي وحبيبة عبد العزيز وهالة أبو شعيشع وغيرهم من الشباب، في رسالة واضحة، لترويع الجيل المتمرّد وتحطيم ذويهم.
مأساة شادي مختلفة، فهو ليس ابن أسرة إخوانية ولا تنظيم معارض، وإن كان أقرب إلى أفكار اليسار وفناني المقاهي .. فنان أخرج فيديو سخر من الطاغية، بعد أن أتم الأخير سنواته الأربع. لم يجبن، ولم يتحلّ، في الوقت ذاته، بقدر من الذكاء التنظيمي، وضع اسم من شارك في العمل الفني في نهاية الأغنية، لم ينجُ غير المغني الذي كان خارج البلاد، واعتقل ستة على ذمة الأغنية، بمن فيهم من أعد لهم الشاي.
الطاغية الحقود النزق، كان بإمكانه أن يُفرج عن المعتقلين، بعد ما نالوه من عقوبة، لكنه يبدو مثل خارج من مسلسل تاريخي، يقول “إئتوني برأسه”، ولا شك أن الأجهزة الأمنية المصرية استنفدت كل الوسائل لملاحقة المغني عبر الإنتربول، ليكون عبرة لغيره. يرتعب السيسي من شادي، لأنه يثبت له أن قتل من هم في جيله واعتقالهم لم يخوفاه، ولم يمنعاه من إبداع معارضة فنية، ووضع اسمه على العمل الفني بلا وجل. هو يدرك قوة النموذج، فكثير من الشباب المصري الغاضب بسبب الاستبداد وكبت الحريات والفساد والبطالة يجد بطلا بهذه الجاذبية يتأسّى به.
لك أن تتخيل فاجعة من قتل أولاده وبناته وهم في عمر الزهور، وكم سينشر ذلك من هلع ورعب في أوساط الناس، ولكن تصفحا سريعا لكتاب التاريخ، قريبا أم بعيدا، يخبرك بأن الناس على قول عبد الرحمن الكواكبي “أخشى ما يخشاه الطغاة أن تكون الحرية أثمن من الحياة”، هذا ما شهدته دول الربيع العربي بعامة، ومصر خصوصا.
لا نعرف عن سيرة شادي يوم 25 يناير/ كانون الثاني 2011، إلا أنه كان في الـ13 من عمره، ورأى في مغني الثورة، رامي عصام، في ميدان التحرير، نموذجا له. ولم ترعبه مشاهد رابعة ولا المنصة ولا سيارة الترحيلات التي قضى فيها مخرجٌ يشبهه عمرا وإنتاجا، محمد الديب.
يتفاخرون بأن أكثر من 70% من العالم العربي تحت 30 عاما، ولا يقدّمون لهم تعليما ولا عملا ولا متنفسا للتعبير. إنها مجتمعاتٌ برسم الانفجار أو الانهيار. شادي يجسّد مأساة جيل كامل ضحية لأسوأ أنظمةٍ عرفتها البشرية.
هل تريد التعليق؟