في بداية الثورة السورية، حاول فاروق الشرع، بمعاونة “عقلاء” النظام سياسيين وأمنيين، فتح نافذة للحوار من خلال مؤتمر جامع يضم أطيافا من معارضة الداخل. لكن التيار الدموي المتطرف، وهو الغالب، أفشل الشرع، كما أفشل كل المحاولات التي بذلها حلفاء النظام في حينه، من “حماس” و”الجهاد الإسلامي” وحزب الله من جماعات، والدول وهي تركيا وقطر وفرنسا.
آخر المحاولات الفاشلة كانت قبل أسبوع من انشقاق رياض حجاب؛ فقد توجه مع فاروق الشرع وأعلى خمسة مسؤولين سياسيين، إلى بشار يرجونه التوقف عن الحل الأمني العسكري والبدء بحل سياسي. وكان جوابه صادما لهم. وهو ما أكد خيارات حجاب بالانشقاق. فبشار بنظره يرى أنه قادر بالمال والسلاح على ضرب المجموعات المسلحة بعضها ببعض.
لن يكون ليث شبيلات أكثر حرصا من خالد مشعل على دور سورية في الصراع العربي الإسرائيلي، ولن يكون أكثر معرفة بدورها في دعم المقاومة سياسيا وعسكريا. وليس له بالضرورة علاقته برأس النظام وأركانه، كما علاقته بالمرشد علي الخامنئي وقاسم سليماني ولاريجاني وغيرهما.
في سورية لا يجتمع اثنان بدون رغبة المخابرات. وعندما تتداعى هيئة التنسيق في لقاء جامع، فهذه رغبة أمنية لإيصال رسالة إعلامية لا أكثر بأن النظام يسعى للحوار والحل السياسي. وعندما يعتقل ثلاثة، فهذا إما نزق من جميل الحسن مدير المخابرات الجوية المسيطر على المطار وطريقه، بسبب تصريحاتهم الخارجة عن النص، أو نوع من إعطاء الصدقية للقاء الذي يعقد رغم أنف بشار الأسد، واستفادة من أجواء الانفتاح بعد التعديلات الدستورية التي أنهت عقود الاستبداد! في الآخر، اللقاء من نوع الكوميديا السوداء، وليس وقتها بعد استشهاد أكثر من ثلاثين ألف سوري. والنظام السوري يعرف جيدا ما يريد؛ هو يعلم أنه مجرم ودموي ولا يريد من حلفائه أن يغيروا صورته. هو يريد منهم أن يشوهوا صورة الثورة السورية؛ فهي دموية ومجرمة مثله، وفوق ذلك عميلة وتستدعي التدخل الأجنبي، ولا تتمتع بفضيلة الممانعة، ولا تستطيع تحقيق الأمن والاستقرار. وأي عاقل سيكون النظام هو الأقل سوءا بالنسبة له. سيكتب بشار بماء الذهب ما جاء في رسالة شبيلات بوصف الثورة التي تحولت إلى غول: “غول العسكرة والتسليح. فلا يشكك منصف في إخلاص معظم المنتفضين بالثورة، لكن الإخلاص إذا جانبه وعي وتمسك بالثوابت كالذي نلحظه من جانبكم قد يأخذ بالقضية من “الدلف إلى المزراب”. بعبارة أوضح، الثوار من أبطال الجيش الحر مخلصون (كثر خيرك!) لكنهم مفرطون بالثوابت وجهلة ينقصهم الوعي. إن الذين طلبوا الحماية الدولية لم يكونوا في فنادق باريس ونيويورك ولندن، خرجوا بمظاهرات وسقط منهم شهداء. الحماية الدولية ليست احتلالا أميركيا؛ هي أرقى اختراع بشري بعد الحرب العالمية الثانية. والمؤسف أن العالم لم يتحرك، ليس استجابة لهيئة التنسيق، وإنما تقديرا لرأي نتنياهو بأن بشار أفضل من بديل مجهول.
لا يعذر بالجهل في الموضوع السوري؛ من يريد معرفة ما يجري فليذهب إلى الزعتري وإلى الحدود، ويشاهد بعينه. أو ليذهب لدمشق للمشاركة في المؤتمر، وإن اعتقلته أجهزة الأمن فسيلتقي بالمعتقلين وربما يجتمع مع الثلاثة من هيئة التنسيق، وسيؤكدون قناعاته بجدوى الحوار الوطني مع المحققين.
الثوار في سورية يحققون كل يوم انتصارا بدون أن تدخل الأسلحة النوعية. وعندما يرفع الفيتو الأميركي عن السلاح النوعي، سيسقط النظام بأسرع مما يتوقع. أميركا تمنع وصول السلاح، والحقيقة الأكثر مرارة أن السلاح الإيراني والروسي يتدفق على مدار الساعة. وهذا هو التدخل الأجنبي. هل يرى ليث شبيلات في مقاتلي الحرس الثوري والخبراء الروس عملا وطنيا؟
بقيت واحدة، لماذا لا يذكر اسم بشار الأسد في كل الرسالة، وهو المسؤول الأول والأخير؟!
هل تريد التعليق؟