المطالب الدولية كانت تنصب على الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات من أجل استحداث منصب رئيس الوزراء ومنحه صلاحيات حقيقية، أهمها السيطرة على الأجهزة الأمنية والأموال. وعلى رغم استحداثه المنصب ظل يتهم بأنه يزاحم محمود عباس على صلاحياته. وألصقت به تهمة إفشال حكومته. اليوم يبدو أن ثمة من يسعى إلى تكرار التجربة السابقة بشكل معكوس أي إفشال رئيس وزراء حماس وجعل حكومته بلا صلاحيات.
الأهم من ذلك تمييع إرادة الناخب الفلسطيني من خلال تفريغ السلطة التشريعية من مضمونها. ومنح رئيس السلطة حق حل المجلس، بحيث يظل سيف الحل مصلتا على رقاب النواب. وفي غضون ذلك تعود الصلاحيات الحقيقية إلى رئيس السلطة أو تغرق البلاد في حال فوضى تتطلب من جديد تدخلا عربيا أو دوليا وربما إسرائيليا.
المحاولات هذه بدأت التدريبات عليها من خلال التسريبات والتحضيرات التي لن يكون آخرها جلسة التشريعي القديم بعد الانتخابات التي بحثت في قضايا تتعلق بصلاحيات الرئيس، وتأتي في سياق مثير للشك مرتبط بمشاريع سياسية لها صلة بإسرائيل والخارج أكثر من صلتها بالشعب الفلسطيني، ومصيرها لن يكون أحسن حالا من محاولات نزع الشرعية عن عرفات وتوزيعها حسب الدور والحاجة.
“حماس” حصلت على الشرعية مرتين، مرة بتاريخ نضالي سطره آلاف الأسرى والشهداء والمطاردين ومرة بصناديق آلاف الناخبين. ولا تستطيع أي جهة خارجية أو داخلية نزع هذه الشرعية، ومن مصلحة أعداء الشعب الفلسطيني أن يتعاملوا مع الواقع كما هو حتى لا ينتجوا بصلفهم واقعا أسوأ.
الواقع أن الشعب الفلسطيني بوعيه وكامل قواه العقلية اختار حماس. وكل يوم تتكشف قصص جديدة تثبت ان السياق العام للشعب الفلسطيني بكل فئاته وطوائفه يذهب باتجاه حماس.
ليس مقبولا من أيتام السلطة أن يرتموا على موائد اللئام، المفروض منهم أن يتكيفوا مع الواقع الجديد ويعيدوا إنتاج فتح جديدة، فتح نظيفة تغسل أدرانها التي جعلت حركة بهذا التاريخ تغدو في مهب الريح. الناس تكره الفساد والاستبداد فكيف إذا اجتمعت الصفتان معا. الفساد ليس في قبض العمولات والرشوات والخاوات، الفساد يبدأ بالأعطيات من المال العام. ما معنى أن يكون آلاف الموظفين يهدرون الملايين بلا وظائف؟ ما معنى أن يدرس أبناء مسؤول في جامعات غربية؟ ما معنى أن يمتلك بيوتا وقصورا خارج وطنه؟
ما لا يدركه اللاعبون في الوقت الضائع أن الغطاء الدولي عن الفاسدين انكشف لأنهم غدوا خطرا على غيرهم لا على شعوبهم فحسب. ولا مصلحة في البحث مجددا عن غطاء محلي للفساد. والشعب الفلسطيني تحديدا لن يؤمّن هذا الغطاء بأي حجة كانت.
هل تريد التعليق؟