مقالات

عاجل: إلى وزير الداخلية (2)

وزير الداخلية عيد الفايز وضع نهاية سعيدة للمسلسل المضحك المبكي المتعلق بنزع جنسية المواطن الأردني وليد الجالودي، وقرر الوزير البدء بإجراءات منحه الجنسية (لا أعرف إن كانت استعادة أم منحا)، وإن استعاد وليد الجنسية فإن ملايين الأردنيين يزيدون مواطنا نافعا. فوليد ما بين المقالين فقد فرصة عمل في شركة الاتصالات الأردنية لأنه غير أردني لكنه حصل على عمل أفضل: مديراً إقليمياً لتقنية المعلومات في ثالث شركة محاسبة على مستوى العالم، وسيكمل أولاده تعليمهم الابتدائي في مدارس بلادهم وبلاد أجدادهم.

كان بإمكان الوزير أن ينحاز لمدرسة النص، ويقرر الالتزام الحرفي بنص القانون الذي سُحبت جنسية وليد وشقيقيه بناء عليه. فهم تجنسوا خطأ خلافا لبقية أفراد العائلة لأن والدهم استعاد جنسيته بعد بلوغهم الثامنة عشرة. وما بني على باطل فهو باطل، لكن الوزير انحاز لمدرسة العقل، فالقانون هو فرع من الدستور، وإن تعارض الفرع مع الأصل قدم الأصل، فلا تنزع الجنسية إلا بقرار مجلس وزراء ولاعتبارات تتعلق بالأمن القومي. ومع ذلك لم يستخدم مجلس الوزراء هذه الصلاحية حتى مع تنظيم القاعدة وزعيمه في العراق أبو مصعب الزرقاوي. 

لست مع تحويل كتاب التعليقات والمقالات الصحافية إلى “كتبة استدعايات” يناقشون تفاصيل فردية. غير أن بعض التفاصيل الفردية تعكس حالة عامة ينشغل بها الكاتب والقارئ. والقصد ليس حل مشكلة فردية بل معالجة قضية عامة. فالموظف العام سواء في وزارة أم شركة يتقاضى راتبه لخدمة الناس وتحسين حياتهم. ويستطيع استخدام صلاحياته في تعقيد معيشتهم أو تيسيرها.

والواضح في المسلسل السالف أن الموظف في القطاع العام أو القطاع الخاص تصرف بالعقلية ذاتها، فهو يميل إلى الأخذ بالظاهر على حساب الجوهر، والأحوط الذي يجنبه المساءلة، ويتجنب الجرأة والمبادرة التي تحفه بالمخاطر. الموظف في وزارة الداخلية الذي سحب الجنسية وفي شركة الاتصالات الذي أفقده فرصة العمل وفي المدرسة الخاصة الذي رفض قبول أطفاله، هؤلاء جميعا تصرفوا وفق العقلية ذاتها.

 “لا أحد يقرأ ورقا” مقولة تصلح أن توضع على مداخل الصحف، هنا بدا أن أحدا قرأ وتعامل بإيجابية. هذه علامة صحة، غير أنها يجب أن تعمم بحيث لا تقتصر على حل مشاكل إنسانية. فالإعلام من الوسائط الحديثة التي تربط المواطن بالدولة والدولة بالمواطن. والديمقراطية المباشرة التي تبناها العقيد معمر القذافي التي تقوم على التعامل المباشر مع الجماهير، بلا وسائط من إعلام وأحزاب ومجالس نيابية، لم تثبت نجاحها إذ تحولت اللجان الشعبية إلى وسائط  متخلفة للتواصل. 

في الأردن ثمة ازدواجية! فتجد مسؤولاً يشرع أبوابه للعامة يستمع لمطالبهم ويتخذ قرارات فورية أمامهم، وكأنك أمام شيخ في مضارب قبيلته، ومسؤولا آخر لا تعرفه غير الخاصة، وبالكاد يرى أمين عام وزارته. من السخف في بلد لم يفعّل البريد العادي توقع قيام حكومة إلكترونية. فالبشر انتقلوا من مرحلة البريد الورقي إلى البريد الإلكتروني، أي مروا بمرحلة قراءة الورق. وتعاملوا مع اختراع البريد. مرة واحدة قد يتعامل الأردني مع البريد عندما ينهي الثانوية العامة ويرسل أوراقه إلى الجامعات الرسمية. وبعدها لا يرى البريد في حياته.

الإعلام بريدٌ عام يفترض إلا يناقش مسائل فردية يفترض أن يحلها البريد العادي، بواسطته يحصل المواطن على جواز سفره وعلى عقد عمله وسائر متطلباته. قد يأتي يوم يرسل أولادنا وربما أحفادنا معاملتهم عبر البريد، ربما الإلكتروني. ساعتها لن نحتاج لقراءة الورق.

هل تريد التعليق؟