مقالات

عبد العزيز الدوري

يتمنى شيخ المؤرخين العرب عبد العزيز الدوري أن ينام على سطح منزله مستمتعا بهواء بغداد العليل. كم تبدو أمنيته -التي ختم بها حديثه مع سامي كليب في برنامج زيارة خاصة الذي بثته الجزيرة- صعبة! لكن المؤرخ يعرف أكثر من غيره أن الأيام دول، وأن ما تشهده بغداد اليوم ليس جديدا عليها، وسيتحول إلى سطور في كتاب التاريخ يؤمل ألا تتكرر.

عندما شاهدت الدوري استحضرت ظاهرة التخويف من العراقيين التي بدأت تغزو نفوس العامة. فمن عالِم بحجم الدوري إلى حمّال في سوق الخضار ما كانوا ليستبدلوا بوطنهم عمان أو دمشق أو دبي، وحتى عواصم الغرب. لا يجوز التعامل مع العراقيين باعتبارهم رجال أعمال يرحب بهم أو منكوبين ندير لهم ظهورنا. لنتعامل مع العراق كما هو، بخيره وشره تماما كما نريد أن يتعامل معنا.

في مقابلة الدوري بدا جلالُ العالِم واضحاً. فالدوري لم يستخدم ذخائره العلمية في التحريض والبغضاء، وفي التاريخ كثير متفجرات لا تزال مستخدمة إلى اليوم. استخرج أجمل ما في التاريخ للتأكيد على قيم الشراكة. الفرس شركاء في الحضارة وقوة الحضارة العربية والإسلامية في تعدديتها. ذكّر بقامات سامقة تختفي دونها الأقزام المستحدثة. أبو حنيفة أقوى رمز لأهل السنة في العراق فارسي، الزمخشري صاحب الكشّاف كذلك، وأبو نواس وابن المقفع وغيرهم.

هذه الروحية المستندة إلى المعرفة هي ما يحتاجه الجميع لتجاوز كارثة الحاضر. فما بين بغداد وعمّان من إشكالات لا يقارن في ما بينها وبين طهران، واللحظة الراهنة لا تلغي شراكة التاريخ ولا مستقبل الأجيال المقبلة.

في تهذيبه كانت أقسى عبارة يقولها الدوري عن كلامٍ متهافتٍ هذا كلام “غير تاريخي”. وأسطورة التخويف من العراقيين في الأردن وسائر مهاجرهم “غير تاريخية”. فالشعب المنكوب لم ينزل من الفضاء وإنّما شرّدته عوامل خارجية وداخلية لم يكن له علاقة بها.

لم يشاوره صدام عندما خاض حروبه ولم يشاوره الأميركيون ووكلاؤهم عندما خاضوا حروبهم، وخده يتلقى اللطمات من القريب والبعيد.

بُعَيدَ الاحتلال كان وكلاؤه يشيعون في بغداد ظاهرة التخويف من العرب بعامة والأردنيين بخاصة. وكنت تقرأ لافتات تهدد من سرقوا الشعب العراقي. اليوم تجد روحية مقلقة تنتشر في العالم العربي تجاه العراقيين وكأنهم جاءوا لنهب خيرات الشعوب التي لجأوا إليها.

صحيح أن ثمة أعباء اقتصادية تترتب على الدول المضيفة (الأردن وسورية تحديدا) لكن ذلك يتطلب الضغط على  الحكومة العراقية والاحتلال الأميركي والمجتمع الدولي لتحمل مسؤوليتهم، لا التعامل مع اللاجئين بجفوة وقسوة. وبمعزلٍ عن الجانب الإنساني والمبدئي والأخلاقي فإنّ المصالح مع العراق تقتضي تسليفه موقفا في لحظة المحنة.

في الأردن علينا أن نفكر بشكل “تاريخي” فنحن بحاجة إلى العراق والعراق بحاجة لنا. وجود الكوادر العراقية في الأردن مكسب كبير، هل نعرف ماذا يعني وجود عالم بوزن الدكتور عبدالعزيز الدوري في الجامعة الأردنية؟

هو واحد من زهاء سبعمائة ألف عراقي وجودهم في الأردن اضطرار لا خيار.

هل تريد التعليق؟