إعدام صدام حسين مثل محاكماته، يخضع لاعتبارات سياسية في المقام الأول. ومن الواضح أن القرار اتخذ، والتوقيت يبقى مسألة إجرائية. والأنسب بالنسبة للأميركيين أن يتم في العيد، بسبب انشغال الرأي العام العربي والإسلامي بالعطلة. بالمحصلة، صدام حسين سيغادر دنيانا، وسيكون في ذمة إله عادل يجد عنده عدالة افتقدها صدام كما خصومه.
الإعدام لن يغير كثيرا في الواقع العراقي، فالثابت الوحيد في العراق، بمعزل عن تبدل الأنظمة، هو القتل والدمار. جثة معلومة الهوية ستضاف إلى معدل القتل اليومي في العراق الذي لا ينجو منه أحد، بمن في ذلك الأميركيون. والمواطن العراقي العادي، من غضب ومن فرح للإعدام، سيعود إلى واقعه الذي زاد مأساوية بعد سقوط نظام صدام، ولا يتوقع أن يتحسن بعد إعدام صدام!
صحيفة الغارديان البريطانية (بالمناسبة هي ليست صدّامية ولا تكفيرية!) نشرت أرقاما مرعبة رصدت حال العراقيين بعد الاحتلال: فعدد من قتلوا في العراق منذ بدء الحرب في العشرين من آذار 2003 وحتى الآن يقدر بين 51900 و57500 شخص، فيما بلغ عدد طالبي اللجوء السياسي من العراقيين بين عامي 2003 و2005 حوالي 889 ألف لاجئ.
وتقول الصحيفة إن 12.9 مليون من العراقيين كانوا يحصلون على مياه نقية للشرب قبل الغزو، مقابل 9.7 مليون شخص فقط في العام 2006! وتضيف أن انقطاع التيار الكهربائي أصبح أمرا متكررا، وأن الطلب على الطاقة أصبح يفوق العرض بكثير.
ورغم الانتشار الواسع لوسائل الإعلام الخاصة في البلاد بعد سقوط صدام، إلا أن عدد الصحافيين الذين قتلوا في أعمال عنف في البلاد بلغ 160 صحافيا منذ شهر آذار من العام 2003، وهذا يشكل أكثر من 10 بالمائة من إجمالي عدد الصحافيين في العراق.
تشظى العراق طائفيا وأقواميا (إثنيا)، وإعادته إلى ما كان عليه قبل الاحتلال مهمة تبدو مستحيلة. فلا توجد قوة قادرة على تثبيت واقع التقسيم، كما لا توجد كذلك قوة قادرة على فرض التوحيد! وبين العجزين عن التوحد والانقسام، يحاول كل طرف اختصار الطريق بمزيد من القتل والدماء.
تلك الأرقام ترصد جزءا يسيرا من المأساة التي يعيشها الإنسان العراقي الذي يطحن بين حجري الرحا: الاحتلال والحرب الطائفية. فالتهجير، والقتل، والتعذيب، مفردات يومية يعايشها العراقي. والأسوأ من تلك الأرقام أنها في تصاعد، ولا يوجد في الأفق ما يبشر بانخفاضها. فالاحتلال، وما تلاه من تركيبة سياسية، اعتبر أن الإنجاز الوحيد القادر عليه هو الاعتقال والقتل؛ فلم نسمع عن نجاح في إعادة عائلة مهجرة، أو الإفراج عن مخطوف. وفي المقابل، فإن الخبر المتواتر هو قتل واعتقال، وقتل صدام سيضاف إلى الإنجازات اليومية.
اليوم التالي لإعدام صدام سيكون محرجا للأميركيين وللتركيبة السياسية الحاكمة. وسيبدأون بالبحث عن هدف مقبل أو جثة جديدة. وفي مقابر العراق المعلومة والسرية متسع!
هل تريد التعليق؟