جسد الحكم على رئيس السلطة التشريعية الفلسطينية واقع الفلسطينيين شعبا أسيرا مضطهدا مظلوما. وخدم عزيز الدويك قضية شعبه أكثر مما لو كان يجلس في مكتب في رام الله موهما الناس بأن ثمة سلطة تستدعي التقاتل عليها. بقدر ما فسر كثيرا من الالتباسات والاتهامات والمآخذ حول حركة المقاومة الإسلامية حماس في ظل الانقسام. فدخول الانتخابات واكتساحها ما كان يعني التخلي عن المقاومة. وإن كان ثمن المقاومة هو اعتقال رئيس السلطة التشريعية ورفاقه من وزراء ونواب فهو قليل.
لم يعتقل الاحتلال الإسرائيلي الدويك بسبب تصريحات رنانة. اعتقل بعد عملية “الوهم المتبدد” التي أسرت فيها المقاومة جندي الاحتلال جلعاد شاليط في واحدة من أجرأ وأعقد وأدق عمليات المقاومة عالميا. فالذين عملوا على إيصال مرشحي حماس للفوز هم ذاتهم الذين تجلدوا وصبروا شهورا في إعداد النفق الذي نفذ منه الاستشهاديون وفجروا البرج الإسرائيلي وظفروا بشاليط. وكم من نفق مثله واستشهاديين مثلهم أحبط الإسرائيليون إنجازهم في آخر لحظة ومضوا خبرا عابرا “استشهاد أربعة مقاومين في نفق”.
هو ابن النكبة الفلسطينية بامتياز فقد ولد عام 1948، ويعبر عن تنوع الحركة الإسلامية الاجتماعي الذي يعكس المجتمع الفلسطيني بمدنه وقراه وبواديه ومخيماته. لم يكن خافيا على من تابع أداءه في مخيم الإبعاد الشهير في مرج الزهور أنه الوجه المدني للحركة المقاتلة. لا تنسى تهنئته للمسيحيين فلسطينيين وغربيين وهو في مرج الزهور بالكريسمس، بدا بلحيته البيضاء وطاقيته الشتوية وسط الثلوج، وكأنه بابا نويل يقول “مري كريسمس” فهو ابن مدينة الخليل والحاصل على ثلاث شهادات ماجستير والدكتوراه من جامعة بنسلفانيا في فيلادلفيا.
لم يكن مضطرا لعيش معاناة شعبه، كان بإمكانه أن يكون ضمن ملايين الشتات الفلسطيني المنعم، واحدا من الأكاديميين في الجامعات الأميركية يحتفل بالكريسمس ويستغل أزمة الرهن العقاري لشراء الفلل ولا يقبع في السجون ويتشرد في المنافي. في انخراطه في العمل السياسي كان بإمكانه أن يفتح “دكانة إن جي أوز” ويبذخ بموارد التمويل الأجنبي الثرية, أو أن يدخل في مسالك الصفقات والعمولات ويشغل الأولاد والأنسباء في مشاريع مضمونة الربح.
تلك خيارات، للأفراد كما للشعوب. فكما أن رئيسا قبله دفع هو وشعبه ثمن تهريب شحنة موبايلات يكسب هو وشعبه ثمن اعتقاله على خلفية المقاومة وافتداء أحد عشر ألف أسير, وفوقهم الشعب الأسير في الأرض المحتلة. يستحق الشعب الفلسطيني قائدا مثل عزيز الدويك تتجسد فيه معاني العزة والتضحية والصبر. وتلك القيادة لا تصنعها صناديق الاقتراع فقط بل تصنع بسنوات السجن.
لم يكن نلسون مانديلا الذي حرر شعبه صناعة انتخابية بل وليد نضالات هائلة قدمها حزب المؤتمر الوطني الإفريقي وهو على رأسه.
قدم الرجل الستيني تضحيات على حساب صحته وأسرته فماذا قدمنا له؟ أين مجالس النواب العربية والإسلامية؟ ألا يستحق وقفة تضامنية؟ أم أنهم مشغولون برعاية الحوار الفلسطيني الفلسطيني؟ لتستغَل المناسبة لتفعيل الحوار ورأب الانقسام. ألم يسبق أن عانت منظمة التحرير الفلسطينية مثل هذا الانقسام عندما كان رئيس المجلس الوطني الفلسطيني منشقا في دمشق ونائبه يرأس الاجتماع في عمان؟
تُلقى مواعظ كثيرة حول الانقسام الذي رافق القضية الفلسطينية من قبل النكبة. لكن هذه العظات لا تعفي من مسؤولية التضامن مع الشعب المنكوب وقياداته الأسيرة. فحتى نلسون مانديلا كان حوله منشقون وهو يقود النضال من زنزانته.
هل تريد التعليق؟