لم يصدق أحد حكاية الانتخابات في الجزائر؛ فالفصيل الأساسي الذي يمتلك الشرعية الانتخابية مغيب منذ مطلع التسعينيات، يوم أوقف الجيش المسار الانتخابي، وأدخل البلاد في دوامة حرب أهلية قضى فيها أكثر من مئة ألف. ومن يومها يعيد الجيش إنتاج الرؤساء والحكومات والبرلمانات المدجنة، إلى أن وصل إلى عبدالعزيز بوتفليقة الذي كان أقوى خياراته، وتمكن من تحقيق الاستقرار في الجزائر وإنهاء الحرب الأهلية بدون استئناف المسار الديمقراطي. وكل الحديث قبل الربيع العربي كان عن توريث الحكم لشقيقه.
بعد الربيع العربي، غدت الجزائر محاصرة بين ثورتي تونس وليبيا، وانحاز العسكر لنظام العقيد المخلوع واستضافوا عائلته وزودوه بالسلاح، وحوصر النظام الجزائري أكثر عندما نجحت نسبيا التجربة الإصلاحية في المغرب. وكان لا بد من تحريك الوضع من خلال انتخابات مهندسة سلفا؛ من حيث القانون والمشاركين، وكانت مضمونة المخرجات. فالمنافس الحقيقي ليس موجودا، والقوى الإسلامية المشاركة هي حليفة لبوتفليقة، وتتهم من الجبهة الإسلامية للإنقاذ بأنها عميلة للسلطة.
الأهم من ذلك هو بقاء الجيش، القوة التي انقلبت على السلطة، ممسكا بزمام الأمور. وهو لم يتمكن من الانتصار بالدم والحديد والنار ومعسكرات الاعتقال والمجازر والاغتيالات فحسب، بل بقوة ارتفاع أسعار النفط، إذ تمكن من تحقيق رخاء نسبي رافقه فساد مافياوي أسطوري.
إن الديمقراطية لا تتحقق بانتصار الإسلاميين، بل بضمان انتقال السلطة وتداولها. والإسلاميون ليسوا “الإخوان” في الجزائر تحالف الإخوان مع السلطة ضد الجبهة الإسلامية للإنقاذ. وفي المغرب، قاطع الفصيل الأكبر، وهم جماعة العدل والإحسان، الانتخابات التي فاز الإخوان فيها وشكلوا الحكومة.
فليس ديمقراطيا من يقف مع العسكر في الجزائر لأنهم علمانيون، أو يقف معهم في السودان لأنهم إسلاميون. في السودان حصل عكس الجزائر، انقلب الإسلاميون في الجيش على مسار ديمقراطي، وتمكنوا بالبطش وفرق أسعار النفط من تحقيق الانقسام والاستقرار. وفي ظل إمساكهم بزمام الأمور يجرون انتخابات تشريعية ورئاسية لا تؤخذ على محمل الجد.
لا يمكن أن تتحقق الديمقراطية في ظل هيمنة العسكر على السياسة. وفي تونس، تسير الأمور أفضل من غيرها بسبب قلة عدد الجيش وعدم تدخله أصلا في السياسة، وانهيار الجهاز الأمني. أما مصر، فما يزال العسكر يخوضون صراع بقاء، والمأمول أن يعودوا إلى ثكناتهم بعد الانتخابات الرئاسية.
لقد تمكنت الجيوش في الغرب من تحقيق انتصارات تاريخية كاسحة، ولكنها لم تغادر الثكنات، وتركت المجتمع يمارس حياته السياسية بحرية. من انتصروا على النازية لم يتشبثوا بالسلطة. وعندنا، حيث يجيد العسكر صناعة الهزائم، يطلبون الخلود. العقيد القذافي هُزم في تشاد، والبشير هُزم في الجنوب، والجيش الجزائري تفرغ للبزنس، والجيش السوري انسحب من لبنان مرتين بشكل مذل، وغيرهم ليس بأفضل حالا. مع ذلك يبقون في السلطة، ويصرون على تزيين الوجه القبيح بمساحيق انتخابات.
باختصار، على عسكر العالم العربي أن يعودوا إلى الثكنات، ولا داعي لانتصاراتهم في ساحات الوغى ولا صناديق الاقتراع.
هل تريد التعليق؟