باستثناء أنهما تخرجا من الكلية العسكرية، يصعب وجود تشابه بين الرئيس الراحل جمال عبدالناصر والرئيس القادم عبدالفتاح السيسي الذي لم يتبق على اكتمال انقلابه غير الاستفتاء والانتخابات المقررة نتائجهما سلفا. ومع أن عبدالناصر هو في في النهاية دكتاتور مثل أي ضابط وصل للسلطة بانقلاب وتمسك به حتى آخر لحظة في حياته، إلا أنه ينتمي إلى جيل قادة مقاومة الاستعمار من أحمد بن بيلا ولومومبا وسكارنو وكاسترو. وتشبيه السيسي به ما هو إلا حملة انتخابية مبكرة. الفارق الأول بينهما أن عبدالناصر كان قائدا كارزميا، تعدى إشعاعه حدود مصر، ومن أجله ضحى السوريون بإرثهم الديموقراطي، وحملوا سيارته على الأكتاف، وكان إذا خطب أصغى العرب من المحيط إلى الخليج إلى خطابه. أكثر من ذلك سمعت من الباحث الإيراني ما شاء الله شمس الواعظين أنه تعلم العربية من أجل الاستماع إلى ثلاثة: قراءة القرآن للشيخ الطبلاوي وأغاني أم كلثوم وخطابات عبدالناصر. السيسي تهبط شعبيته مع كل خطاب يلقيه، مع أن خطاباته معدة ومرتبه من قبل، ومرسومة في صورها جمهورا وخلفيات وإضاءة وموسيقى، ولا تبث على الهواء وإنما تخضع للتحرير قصا ولصقا وحذفا وإضافة. الفارق الثاني أنهما من نشأة اجتماعية مختلفة، فناصر هو ابن الفلاحين الذي أعاد توزيع ملكية الأراضي الزراعية لصالح صغار الفلاحين منذ الشهور الأولى لتوليه زمام السلطة. السيسي هو ابن القاهرة الذي لا يرى الأقاليم والأرياف بعينه. الفارق الثالث، اختلاف النشأة السياسية، فعبدالناصر كان من الإخوان ومن الضباط الأحرار مذ كان شيوعيا، ولديه رؤية فكرية اختلفت مع الإخوان والشيوعيين معا، وكان يرى في نفسه نقيضا للنظام القائم، وليس استمرارا له. في حين أن السيسي نشأ في بيئة مبارك التي تحظر كل أشكال التسييس في القوات المسلحة. وشخصيته السياسية تشكلت في إطار الدورات المكثفة في الولايات المتحدة الأميركية، فضلا عن المناورات والدورات، ناهيك عن اللقاءات والتنسيق الأمني مع الإسرائيليين بحكم موقعه في المخابرات الجوية. الفارق الرابع، عبدالناصر قاتل الإسرائيليين في حرب 48 في إطار الجيش المصري الذي قاتل عدوا صهيونيا، وظل على مواجهة مع هذا العدو في العدوان الثلاثي وحرب سبعة وستين وحرب الاستنزاف. السيسي دخل الجيش المصري مع نهاية آخر حرب مع العدو، والذي تحول إلى حليف وشريك في آخر حقبة مبارك. ولم يعد للجيش من دور غير”محاربة الإرهاب” أي خصوم النظام السياسيين في الداخل وحماس وحركات المقاومة في الخارج. الفارق الخامس، بناء على تلك النشأة والتكوين اجتماعيا وسياسيا تبنى عبدالناصر العدالة الاجتماعية والاشتراكية. في المقابل تبنى السيسي أسوأ أشكال النيوليبرالية، التي تجمع بين رجال الأعمال الفاسدين والعسكر والأمن، وهي مدرسة رامي مخلوف في سورية وجمال مبارك في مصر وسيف الإسلام القذافي في ليبيا. ولذا كان المسؤول العربي الوحيد في العالم العربي الذي يقول صراحة أن مُستقبل المكالمة عليه أن يدفع وليس من يتصل فقط. الفارق السادس، الهوية العربية المفتوحة لناصر أفريقيا وعالم ثالثيا، فقد دعم الثورات في كل العالم العربي وإفريقيا، وكان من مؤسسي حركة عدم الانحياز، في حين يواصل السيسي نظرة مبارك المزدرية لكل ما هو أفريقي وعربي، وتبني النموذج الغربي. وغابت مصر تماما عن مشاكل أفريقيا حتى اللصيقة بها مثل دارفور والصومال. الفارق السابع هو الموقف من أميركا،عرف عبدالناصر بموقفه المعادي منها. وحارب سياساتها في المنطقة وفي العالم. في المقابل لم يتردد السيسي في التصريح لواشنطن بوست أنه على اتصال دائم مع وزير الدفاع الأميركي، وعتب علانية أيضا لأن أوباما لم يتصل به. الفارق الثامن، الموقف من الملكيات. فقد اتخذ عبدالناصر موقفا معاديا منها؛ من ملك ليبيا في جواره إلى ملوك وأمراء الأردن والسعودية والخليج والمغرب وشاه إيران. على عكس علاقة السيسي الوثيقة بالملكيات. الفارق التاسع، الموقف من الدين، رفض عبدالناصر أي دور سياسي لشيخ الأزهر وبابا الأقباط . ولم يأت بهما لمباركة انقلابه. على عكس السيسي الذي أحضرهما مضافا لهما حزب النور لمباركة الانقلاب. الفارق العاشر، وهو الأهم، أن عبدالناصر على خلفيته العسكرية ، كان يرى نفسه أكبر من البزة العسكرية ونياشينها، ونظر للجيش باعتباره واحدا من مؤسسات الدولة. ولم يقدم على تحصين وزير الدفاع أو الجيش في الدساتير التي وضعها. ولم يحول الجيش لأكبر شركة قابضة تتحكم بـ40 بالمئة من الاقتصاد المصري، ولم يلوث الضباط بـ”بزنس” إنتاج المعكرونة واستيراد اللحوم. توجد فروق أكثر، لكن لا أعلم وجه شبه يجمعهما غير التخرج من الكلية العسكرية.
الرئيسية » عشرة فروق بين عبدالناصر والسيسي
هل تريد التعليق؟