تعاني الأسر الأردنية أيما معاناة في عطلة منتصف الفصل. فالأوضاع الاقتصادية لا تسمح للأكثرية بممارسة رياضة التزلج في أوروبا أو لبنان في الحد الأدنى. وتبقى تلك العطلة مصدرا للبرد وزيادة إنفاق التدفئة ولا يتحقق منها هدف. بموجب تقارير الإحصاءات العامة سنعرف أن الأطفال سيحشرون في البيت ويتشاجرون على مشاهدة التلفزيون واختيار القناة المناسبة وعلى من يستخدم جهاز الحاسوب ويتواصل مع أصدقائه أو يلعب ألعابا إلكترونية.
مقابل ذلك، لا تجد الأسر وقتا للاستمتاع في فصل الربيع. وهي متعة غير مكلفة وباستطاعة الفقراء أن يستأجروا حافلة مدرسة ويتشاركوا في رحلة، أو يخرج أطفالهم إلى الحدائق العامة أو الشارع في جو ممتع ولطيف. بإمكان الحكومة في ظل شح الموارد أن تحقق إنجازا كبيرا من خلال نقل العطلة الشتوية إلى الربيع ، أو في الحد الأدنى تقسيمها بين فصلي الربيع والشتاء.
لوفعلت الحكومة ذلك ستحقق الفوائد الآتية: أولا، ستمتن الحس الإنساني لدى الطلبة من خلال مشاركة المسيحيين في أعياد الفصح. ولن تكون هناك عطلة خاصة بالمسيحيين بل عطلة عامة لجميع الطلبة. ثانيا، ستشجع السياحة الداخلية، فالأردن كله جميل في الربيع، وخصوصا في الشمال. وهو منطقة مظلومة سياحيا، فملايين الأردنيين لم يزوروا أم قيس ويتأملوا من شرفتها بحيرة طبريا، ولم تفتنهم أزهار ربيعها.
ولا يقل الربيع روعة في الجنوب، دع عنك العقبة التي حولوها إلى سوق لشراء الموز المعفى من الرسوم، وضاقت بالسياحة غنية وفقيرة، هل يعرف الأردنيون غابات الهيشة، والبتراء هل يمكن وصف خيلائها ربيعا، وادي رم، يمكن أن يصل الربيع إلى محافظة معان؟. أما ضانا ابنة الطفيلة المدللة فلا أنسى يوما زرت محميتها ووجدتها تغص بسياح أجانب، وعندما سألت عن القوم فقيل إنهم من هولندا، فقلت هجروا بلد الزهور إلى ضانا، ولا شك أن فرادتها تغري كل من عرفها. المشكلة أن الناس لا تعرف.
الربيع أجمل هدية للفقراء. فهل يمكن أن نبدع في اغتنام الهدية لأقصى حد؟ العطلة ستنتج سلوكيات مفيدة اقتصاديا وثقافيا وتربويا. يمكن هنا إحياء ثقافة التخييم. فالبداوة والعشيرة التي نتفاخر في الانتساب إليهما هويتهما الأساسية الخيمة. في الغرب انقطع نسبهم مع البداوة قرونا، نحن ما تزال الأجيال التي سكنت الخيام يوما على قيد الحياة سواء خيام البداوة من بيوت الشعر أم خيام الأنروا في اللجوء والتشريد. مع ذلك نجد الغربيين يستمتعون بثقافة التخييم، ونحن نزهد بها ولا نقيمها إلا في المناسبات وخصوصا الأتراح. وهي مظهر تفاخري لا أكثر.
اكتشف خبراء التربية في الغرب أن الأطفال والفتيان لا يحتاجون رفاها ماديا من ذويهم، كل ما يحتاجونه هو الوقت. قضاء وقت مع العائلة سواء في خيمة في أم قيس أم ضانا أم في جناح في أفخم الفنادق في جنيف. عندما يكبرون يستطيعون أن يميزوا فندقا عن فندق ومطعما عن مطعم، ويعرفوا أسعار التذاكر، ولكنهم عاطفيا وعقليا يكونون قد استغنوا، إلى حد بعيد، عن العائلة لصالح جماعة الأصدقاء.
في الربيع نرتقي بذائقة الطفل الجمالية، لن يكون الجمال في الاستهلاك من علامات تجارية في الملبس والمأكل والمأوى بل في ما أودعه الله في الكون من أسرار. من أروع ما قرأت في مدونة السعودية الراحلة هديل الحضيف وهي تروج لكتاب قرأته: “تقرير إلى غريكو” لليوناني نيكوس كازنتزاكي، وهي سيرة ذاتية، فلسفية، مليئة بما يستحق القراءة، ولا تخلو مما لا يستحقه أيضاً. أجمل ما قرأت منه: “قلت لشجرة اللوز حدثيني عن الله، فأزهرت شجرة اللوز”. لنستمع لأشجار اللوز!
هل تريد التعليق؟