مقالات

علل الناخب والانتخابات

يتيح الاستطلاع الذي أجراه مركز الدراسات في الجامعة الأردنية فرصة جدية لتشخيص علل الحياة السياسة التي تبدو في مرحلة “احتضار” عشية الانتخابات النيابية. فالناس في الأردن ليسوا مناضلين يتمتعون بمواصفات دبابة مصفحة، بل هم بشر ضعاف ممزقون بين أحلامهم وأوهامهم وضرورات عيشهم، يحاولون الموازنة بين الأخلاق والمصالح مرة ترجح كفة هذه ومرة كفة تلك. قد يصمدون مرة في مواجهة قوة عاتية وكثيرا ما يذعنون.

من السهل على النخب كيل الشتائم لـ”العامة”، والأسهل كيلها للحكومات التي صادرت صلاحيات المواطن الدستورية. وهو شتم على قاعدة “أوسعتهم شتما وأودوا بالإبل”، المطلوب إعادة الإبل بأقل شتائم ممكنة. فلو أن النخب منذ العام 1989 عرفت المواطن بحقوقه الدستورية لما سهل مصادرتها بقانون مؤقت عام 1993.

تجهل أكثرية الناس أن نظام الحكم “نيابي ملكي”، ولو سئل الناس عن الدستور لأجابت الأكثرية أنها لم تقرأه، وهو الوثيقة التي تنظم علاقتهم بالدولة. في الاستطلاع بدا أن الأكثرية الساحقة من الناس تجهل حقوقها الدستورية من خلال جهلها بوظيفة المجلس النيابي. فقط 2.7 في المائة اعتبروا دور المجلس تشريعيا و3.4 في المائة فقط، قالوا إن وظيفة المجلس مراقبة الحكومات ومحاسبتها. في المقابل تحدثت الأكثرية الساحقة عن وظائف الحكومة!

وإمعانا في تفريغ المجلس (الذي يفترض أن يكون قلب الحياة السياسية) من مضمونه أفاد 87.9 في المائة من العينة الوطنية أنهم لا يعرفون عن اتجاهات سياسية في مجلس النواب! فمجلس غير سياسي، لا وظائف دستورية له يبدو منطقيا فشله في تلبية القضايا العامة.

وفي عشر قضايا أساسية جاءت النتيجة أقل من خمسين في المائة “وحول تقويم أداء مجلس النواب الأخير في العمل على معالجة مجموعة من المشاكل التي يعتبرها المواطنون مشاكل مهمة لها أولوية المعالجة، تشير النتائج إلى أن مجلس النواب الأخير لم يكن ناجحاً في العمل على معالجة أي من هذه القضايا، إذ كانت نسبة الذين أفادوا بأن المجلس الأخير عمل على معالجة أي من هذه المشاكل دون 50% بمعنى أن المجلس لم يكن ناجحاً أو لم يعمل على معالجة أي من هذه المشاكل (إذ إن 50% وأكثر هي نسبة النجاح). حيث إن ثلث المستجيبين أو أقل أفادوا بأن المجلس الأخير قد عمل على معالجة حل مشاكل المياه، وحل مشكلة السكن؛ وتحقيق مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص؛ ومشكلة تدني الأجور؛ والحد من ارتفاع الأسعار؛ والحد من الفقر؛ والحد من البطالة”.

تعرض الناس لتشريعات “تجهيلية” من الحكومات التي صادرت حق التشريع من مجلس النواب، فجاءت إجاباتهم على هذا النحو، لكنهم يدركون على بعد الشقة الزمنية أن مجلس 1989 الحادي عشر أفضل من المجالس التي تلته. فنسبة 29.8 في المئة ترى أنه أفضل من المجلس الحالي مقابل 18.2 ترى أن مجلس 1997 كان أفضل. وبالتدقيق تنفضح حكاية “الصوت الواحد”، فمع أنه القانون الذي سخرت له الماكنة الإعلامية الرسمية وهو الذي لا تعرف الأكثرية قانونا غيره يدرك الناس أن المجلس الذي أفرز بناء على قانون القائمة كان أفضل.

تعكس الإجابات حول قانون الانتخاب انقساما حول القانون، ففي سؤال أفضل قانون وأسوأ قانون حصل قانون “الصوت الواحد المجزوء” على أعلى نسبة في الأفضل وأعلى نسبة في الأسوأ. فـ34% قالت إنه الأفضل و27.3 % قالت إنه الأسوأ. في المقابل حصل قانون الصوت الواحد الدائرة الواحدة أي حسب النظام البريطاني على أفضل النتائج من حيث الأفضل والأسوأ فـ26.8 في المائة قالت إنه الأفضل و14 في المائة قالت إنه الأسوأ. وهو ما يعني أن حوارا وطنيا حول قوانين الانتخابات سيبلور أكثرية راضية عن القانون الجديد. مع أن قانون الصوت الواحد المجزوء شكل اعتداء على الدستور عندما شرع بعد حل مجلس النواب بشكل مؤقت عام 1993.

أخطر ما في الاستطلاع كان ضعف الثقة بنزاهتها، إذ أفاد 54 في المائة فقط أنها ستكون نزيهة، وبدا لافتا تأثير الانتخابات البلدية على الناخبين، فنسبة 16 في المائة ممن لن يصوتوا عزوا ذلك إلى ما شهدته الانتخابات البلدية من تجاوزات. والنسبة الأعلى كانت في الزرقاء التي وصلت إلى 40 في المائة. والأمر لا يتعلق بأداء الحكومة فقط؛ فـ76 في المائة سمعوا بعملية شراء الأصوات وبيعها. وهذا يسهم بضعف الثقة إيضا.

تلك بعض العلل والدواء ليس دائما من عند الحكومة. من المفترض في الناس أن تصوت سياسيا إن كانت تريد مجلسا يقوم بواجبه الدستوري، لكن في الاستطلاع قالت نسبة 47 في المائة إنها ستصوت عشائريا!

هل تريد التعليق؟