سيسجل التاريخ أن الرئيس محمد مرسي هو أول رئيس في العالم يُرش بنار المولوتوف، فيما يُرش المتظاهرون بخراطيم المياه. ولو حصل هذا على أسوار البيت الأبيض، لكان الرد السريع بالنار. ففي سيادة القانون، تحتكر الدولة ممارسة العنف لحماية الأفراد والمؤسسات، وتمارس حقها في قهر الناس على حكم القانون.
ما يجري في مصر جرائم مروعة؛ قتل وسحل، وإحراق مسجد عمر بن عبدالعزيزالقريب من قصر الاتحادية، يتحمل مسؤوليتها من نقضوا وثيقة الأزهر، ورفضوا أن يعطوا مصر فرصة يوم لالتقاط أنفاسها، وتمييز المجرم من الثائر. ومن قتل محمد على أسوار “الاتحادية” قبل أيام هو من قتل قبله ثمانية من شباب الإخوان في الجولة الأولى، وهو من قتل شباب السويس، وقتل الثوار في موقعة الجمل من قبل.
المطلوب هو تدمير مصر وليس إفشال مرسي فقط. وبحسب مجلة “فورين بوليسي”، فإن واشنطن راغبة في هزيمة الإخوان في مصر. والصحافة الإسرائيلية لا تتوقف يوميا عن التبشير بخطط الإطاحة بمرسي. ودول كثيرة نافذة ماليا لها مصلحة أيضا في ذلك. لكن هذا بحاجة إلى رافعة محلية.
لنفترض أنه قرر الاستقالة اليوم، فهل ستستقر الأمور؟ أنا متأكد أنه يفكر كل لحظة في الاستقالة، لكن إن استقال فإن الملايين التي خرجت لنصرته ستخرج ضده، وستتهمه بالجبن والخيانة، وستأخذ حقها بيدها من الدولة العميقة؛ أمنا وإعلاما وأحزابا، وستنحاز إلى الصوت الأكثر تطرفا، وستأخذ منحى طائفيا ضد الأقباط.
إن الإخوان لا يمارسون فقط ضبطا للتنظيم الحديدي، بل للشارع الإسلامي الذي يشعر بالغضب، وفي تلاوينه طيف واسع من الجهاديين الذين يريدون تحويل مصر إلى جبهة مفتوحة مع ليبيا والسودان وغزة، وهم غير معنيين كثيرا بالأوضاع الاقتصادية والسياحة وبناء المؤسسات.
لقد بذل شباب الثورة، وهم طرف نزيه مستقل، وصناع التغيير في مصر، جهودا خارقة للتوصل إلى وثيقة الأزهر. ولكن نُكث بها في اليوم التالي، وكانت النتيجة مزيدا من الدماء. وقد كان بإمكان الإخوان والتيار الإسلامي أن يحشدوا ملايينهم لحماية قصر الرئيس المنتخب، لكنهم التزموا بالعهد، ومع ذلك قتل الشاب محمد.
لا أشك في إخلاص شهيد الاتحادية. وهو كان من الذين انتخبوا مرسي حتى لا يفوز أحمد شفيق. ولا أشك في أن الحرس الجمهوري والداخلية وباقي جهاز الدولة يريد تصفية الحساب مع هؤلاء الشباب، ومن سحلوا المتظاهر بشكل مريع همجي لا علاقة لهم بسيادة القانون.
من حق الشرطي أو العسكري أن يطلق الرصاص بالقانون في أي بلد ديمقراطي، لكن ليس من حقه إطلاقا التعرية والسحل. هذا الخلق الشاذ نفسه خلق بلطجية ميدان التحرير الذين سرقوه من الثوار الحقيقيين. فالتحرش والاغتصاب صار ظاهرة في أنقى ميادين العز في العالم.
إن الموقف من قتل متظاهر وسحل آخر، هو ذاته من التحرش والاغتصاب، وهو ذاته من إحراق مسجد وحديقة القصر. ولا يجوز التفريق بين دماء متظاهر من الإخوان أو غيرهم. لو مارس مرسي الحزم لقالوا إنه دكتاتور، ولو مارس الحلم لقالوا إنه ضعيف، ولو غير في الوزارات لقالوا أَخْونها، ولو تركها لقالوا ظل الفلول.
ليس أمام مرسي من خيار إلا أن يواصل. وفي انتخابات مجلس الشعب المقبلة سنكتشف حجم القوى التي تضاءل حشدها إلى درجة أزعجت المذيعة لميس الحديدي على الهواء مباشرة. المهم أن يرش الرئيس خصومه بالماء، فحياة أي مصري أغلى من أي مبنى، ولو كان مسجدا أو قصرا رئاسيا.
هل تريد التعليق؟