من المستغرب أن يلجأ رئيس الوزراء السابق علي أبو الراغب إلى رفع قضية على الكاتب أحمد حسن الزعبي. العنوان بالمناسبة خبري ودقيق، مع أن المتوقع أن يكون العكس، أن يلجأ الزعبي إلى مقاضاة رئيس الوزراء. عالميا حتى عند أكثر السياسيين محافظة مثل توني بلير أو جوج بوش وعلى ما تعرضا له من نقد عنيف من الصحافة لم يلجآ لمقاضاة صحيفة أو كاتب. والأصل العكس أن يلجأ المواطن- الفرد إلى مقاضاة المسؤول العام. خصوصا أن الزعبي من أكثر الكتاب نزاهة واستقامة وحضورا وتأثيرا. والقضية التي نشر عنها ليست ابتزازا يمس جانبا شخصيا بل قضية رأي عام تشغل الأردنيين عموما وأهل الرمثا خصوصا.
في القضية التي نشرها موقع “سواليف” احتجاج أبناء الرمثا على تحويل استملاك أراضيهم من منفعة عامة إلى منفعة خاصة من خلال نفوذ رئيس الوزراء. وكان عليه أن يبادر إلى عقد مؤتمر صحفي مع أهالي الرمثا المحتجين لتوضيح موقفه.
قضية أراضي جامعة العلوم والتكنولوجيا تكشف وجها جميلا للأردن ووجها آخر بشعا. فهي تمثل مرحلة البناء الوطني عندما كان رجالات التعليم العالي يخططون للمدى البعيد، بحيث تُستملك أراض تراعي التوسع المستقبلي للجامعة، وتظل رافدا وقفيا لها. في الغرب تشكل الأوقاف ومنها الأراضي واحدا من موارد الجامعات.
لقد سبق أن كتبت هنا عن استملاك الحدائق في أمانة عمان، فعندما استملكت حديقة مركز هيا الثقافي كانت متنفسا لأطفال عمان، ولكن عندما تصبح متنفس أراجيل فإن صاحب الأرض الأصلي أولى بالاستثمار. وهذا ينطبق على أراضي العلوم والتكنولوجيا. وسبق أن كتبت هنا منذ سنين عن أراضي موارد التي كان يسمع النواب وقتها الحفارات وهي تبحث في الأرض ولا يعرفون شيئا عن طبيعة استملاكها. دور الإعلام أن يثير النقاش ويكشف المعلومات، ودور المسؤول أن يطرح رأيه للعامة وليس في جلسات الغيبة والنميمة.
لا نتضامن مع قامة إبداعية بحجم أحمد حسن الزعبي شكّل علامة فارقة في الأدب الساخر عربيا، بقدر ما ندافع عن حقنا كتابا وصحفيين في نشر المعلومة وكشف المستور، والتصدي للسياسيين والدفاع عن المواطن المستضعف. من الأفضل أن يسحب أبو الراغب القضية، وأن يذهب لأصحاب الأراضي ويوضح موقفه، ويفتح، تحت الشمس في نقاش متلفز مفتوح، قضية أراضي الدولة.
في الأردن دولة، ولا يوجد شبر أرض مبني للمجهول، وقوانين الاستملاك واضحة.
دور الإعلام والسياسيين أن يغلقوا هذا الملف، ليس بالتستر على الأخطاء وعفا الله عما سلف، بل بتحديد كل شبر أرض عليه شبهة وإعادة التعاقد عليه بشكل عادل سواء كان للمواطن أم للخزينة. فأراضي الخزينة هي للمواطنين أيضا. وقد علق أحمد حسن الزعبي الجرس، جادا لا ساخرا هذه المرة، أو على طريقة المتنبي في مصر “ولكنه ضحك كالبكا”.
هل تريد التعليق؟