عندما تكتب عن زملاء صحافيين، سواء كانوا في الجزيرة أو رويترز أو حتى من أبطال الإعلام الحديث من مدونين ونشطاء فيسبوك، فأنت تكتب عن نفسك. كتبت عن الراحلين طارق أيوب وأطوار بهجت ورشيد والي ومازن دعنا والقائمة لا تتوقف. والقتل أحيانا يكون أهون من السجن والاختفاء والمصير المجهول. نتذكر هنا زملاء في ليبيا السؤال عنهم وذكر أسمائهم قد يهدد حياتهم! واليوم أتذكر المدونة السورية طل الموحي التي لم تخرج بالعفو الرئاسي، وربما هي تفكر بالموت ألف مرة على حملات الاغتيال والتصفية المعنوية التي تتعرض لها، فضلا عن ظروف حبسها.
في استشهاد المصور علي الجابر نكتب عن أنفسنا، فالرصاص الغادر لكتائب العقيد كان يمكن أن يصيب أي صحافي، ليس من الكتائب. صحيح أن الحملة مركزة في الفضائية الليبية على الجزيرة، إلا أن هذا يشمل كل وسائل الإعلام التي لا تعمل “بشكل رسمي”، أي تحت وصاية العقيد وولي عهده. والكتائب ليست رصاصا فقط وإنما كتائب إعلامية تحرض وتشوه وتغتال. فالذي أطلق النار تلقى تعليمات على الهواء من الفضائية الليبية.
هنا يهمني أن أدخل في الشأن الأردني تفصيلا. فكثير من المحامين والزملاء يعبرون عن استيائهم من حملات التحريض على مكتب الجزيرة التي تقتصر على إذاعة وتلفزيون وموقع إلكتروني وكلها غير رسمية. أنا لا أتحدث عن انتقاد لأداء مكتب عمان أو القناة ككل، فهما ليسا فوق النقد، ولكن التحريض المبتذل، وقد تقف وراءه جهات رسمية أو شبه رسمية قد يترجم لأعمال مادية تكلفنا شهداء وجرحى. وسبق أن كتبت عن ظاهرة البلطجة التي واجهتها في الكرك من خلال شخص معروف بصلاته الرسمية.
الأردن غير ليبيا طبعا، لكن لا بد من تحميل المسؤولية للمحرضين. وهنا أكرر: لا أتحدث عن كثير ممن ينتقدون الجزيرة ويخالفونها، ولكن أتحدث عن ثلاث جهات تتحمل مسؤولية التحريض قانونيا وأخلاقيا. في ليبيا نظام مسعور مجنون من يومه، وظن أن ذلك سيخيف الصحافيين من دخول ليبيا. علي وهو في العقد السادس تقدم الشباب، وأبناؤه وبناته في العمل والجامعة، ونازلَ النظامَ المجنون بالكاميرا. لم يكن يحمل سلاحا غيرها. ولأن النظام لا يفهم لغة الكلمة والصورة اغتاله.
لم يكن علي مرتزقا مثل كتائب العقيد الأفارقة يقتل ليعيش، كان من أغنى بلاد العالم ويعمل في مؤسسة تكفل له حياة كريمة. اختار وهو في هذا العمر أن يكون في الخط الأول. هذه ليست حماسة في غير وقتها؛ إنها خيارات تاريخية، أن تكون في هذه اللحظة مع الشعوب الناهضة. واختار علي أن يكون من شهداء ليبيا، وكان آخر مكان له قبر شيخ الشهداء عمر المختار، وعلي هو شيخ شهداء الإعلاميين.
تلك “الشجاعة” التي مارستها كتائب العقيد على شيخ إعلامي أعزل، افتقدتها مع الصحافي الإسرائيلي روني بن يشاي الذي دخل طرابلس وروى رحلته في بلاد العقيد. طبعا لأنه إسرائيلي فالكتائب أجبن من أن تستبيحه، أما الدم الليبي والقطري والعربي فهو مباح. إنه نظام جبان حتى في آخر أيامه. ومن سوء حظه أن الشعب شجاع والصحافة كذلك. تبقى رحمة الله أوسع من جحيم العقيد، فإليها يا علي ويا شهداء ليبيا.
هل تريد التعليق؟