ما زاد من أهمية لقاء المهندس خيرت الشاطر مع نائب وزير الخارجية الأميركي وليام بيرنز، ووزيري الخارجية القطري خالد العطية، والإماراتي عبدالله بن زايد، هو حالة النفي له. فبداية نفاه “الإخوان”، مؤكدين أن أي لقاء هو مع الرئيس الشرعي المغيب قسريا. كما نفته وزارة الداخلية المصرية التي وضعت الشاطر في سجن شديد الحراسة، ووجهت له تهما تصل عقوبتها إلى الإعدام، كما منعت عنه الزيارات ومقابلة محاميه. وليتبين لاحقا أن اللقاء تم واستمر ساعتين.
بحسب موقع “الجمهور” الذي نقل عن مصادر أميركية رفيعة المستوى، فإن الشاطر تحدث عن مأزق الديمقراطية؛ إذ إن بعض القوى الإسلامية “كانت متشككة من العملية الديمقراطية واحترام نتائجها، لكن الانقلاب على شرعية الصندوق، دفع كافة قوى تيار الإسلام السياسي إلى التشكك من هذه العملية، ومدى قدرتها على التغيير”. وأهم ما في اللقاء الذي أصر فيه الشاطر على مطالب “الإخوان” بعودة الشرعية، هو انفتاحه على القوى السياسية كافة، ورفضه أن يكون الجيش على طاولة الحوار.
فسبب الكارثة في مصر هو إقحام الجيش في العملية السياسية، وإعادته إليها بعد أن خرج منها بفعل التضحيات الكبرى لثورة 25 يناير، وما تلاها من أحداث “محمد محمود” التي رُفع فيها شعار “يسقط يسقط حكم العسكر”. ولو بقي الأمر خلافا سياسيا بين القوى المتنافسة، لأمكن حلّه بالحوار وصندوق الانتخاب والاستفتاء، وغير ذلك من أدوات العمل المدني.
لم يكن الجيش زاهدا بالسلطة ولا بثروات البلاد. وخطأ “الإخوان” التاريخي هو مهادنتهم للجيش ومحاولتهم احتواءه، بدلا من تعميق التحالف مع القوى الثورية، والذي تجسد في ثورة 25 يناير. إذ وقف “الإخوان” على الحياد عندما قتل الجيش متظاهرين ثوريين في “محمد محمود”، وعندما قتل متظاهرين أقباطا في “ماسبيرو”. وفي الدستور أعطوا الجيش ما أراد، وكذلك في الموازنة.
لم يخض عبدالفتاح السيسي والجيش المصري معركة منذ أربعين عاما. والسيسي من جيل عسكري نشأ في مرحلة أنور السادات وحسني مبارك، والتي حولّت الجيش إلى حليف استراتيجي لأميركا وإسرائيل، ومكنته من امتيازات هائلة يقدرها اقتصاديون بأنها تشكل 40 % من القطاع الخاص. فالجيش متورط في العقارات والفنادق والصناعات. وكل ذلك يدر مداخيل هائلة خارج رقابة مجلس الشعب.
انقلاب الجيش ورط البلاد بنذر حرب أهلية قُتل فيها نحو 300 إنسان. وهو زعم أنه انقلب لمنع وقوع حرب أهلية. وما لا يقال علنا هو أن المانع من اقتحام ميدان رابعة العدوية التهديدات التي أطلقها متشددون في الصعيد بهجمات واسعة على المراكز الأمنية والكنائس، فضلا عن الانفلات الأمني الذي تشهده سيناء.
لا شك أن ثمة مستفيدين من التأزيم؛ في الجيش والجماعات المتشددة، ومن مصلحتهم تكرار سيناريو الجزائر. لكن هذه هي الاستراتيجية الصهيونية؛ ضرب أكبر قوة شعبية في العالم العربي بأكبر جيش، وتدمير مصر كما دُمرت سورية. ولا شك أن الرد الوحيد على المؤامرة، محليا وخارجيا، هو الاعتصام بحبل السلمية والبقاء في الميادين.
محاولة الاختراق السياسي التي تمت مهمة، وقد تؤسس لحوار منتج. ولا بد من المواءمة بين العمل الميداني على الأرض وبين العمل السياسي. حتى لو كان هدف “الإخوان” تكرار نموذج الثورة الإيرانية طويلة المدى، فإن ذلك يتطلب إبقاء مسارات عمل سياسي. القوى الدولية والعرب واضح أنهم معنيون بإنجاح العملية السياسية، ليس حبا بالإخوان أو العسكر، ولكن خوفا على مصر. المأمول أن يُبنى على المحاولة وأن تستمر. وحالة الهياج الإعلامي لقنوات “الفلول” ضد المحاولة تؤشر إلى أن ثمة تقدما ما حصل.
هل تريد التعليق؟