مقالات

عندما تصبح الفضيلة تهمة

تصاب حركات التحرر بشتى أمراض الانقسامات؛ سواء سياسية أم فكرية أم جهوية أم غيرها، والحركة الوطنية الفلسطينية شهدت تلك الانقسامات وبلغت حد الصدام المسلح بين أبناء الفصيل الواحد. وانقسمت التيارات السياسية في العالم العربي تبعا لذلك تاريخيا.

     تخطئ حماس عندما تعتقد أنها تمثل الشعب الفلسطيني حتى لو اكتسحت الانتخابات، فأكثرية الشعب تعيش في الشتات أو في فلسطين التاريخية التي جعلت منهم “إسرائيليين” رغما عنهم شاركوا في انتخابات الكنيست أم قاطعوا. تماما كما تخطئ فتح عندما تعتقد أن النضال مقتنيات موروثة مقيدة باسمها.

يوجد اجتهادان في حل الصراع العربي الإسرائيلي؛ اتجاه يؤمن بالمفاوضات وحدها واتجاه يؤمن بالقتال وحده. الأول تعبر عنه فتح ومن والاها من دول وفصائل وشخصيات، والثاني تمثله حماس ومن والاها.

الخلاف سياسي بالمقام الأول والمرجعية الفكرية لفتح لا تتصادم مع المرجعية الفكرية لحماس، على خلاف الفصائل ذات المرجعيات الماركسية.

بعد سيطرة حماس على غزة، وفي إطار المناكفات السياسية كان مفهوما أن تُلوى يد حماس التي توجعها. فهي ستحول غزة إلى إمارة طالبانية، وتمنى خصومها أن تقوم بحركات تستفز مجتمع غزة من خلال فرض معايير إسلامية متشددة. وحاولت فتح استدراجها كما حصل في جامعة الأزهر فرع غزة عندما تظاهر الطلبة الفتحاويون مطالبين بالاختلاط فكان قرار حماس عدم التدخل بشؤون الجامعة المستقلة والتابعة للأزهر في مصر.

لم تفرض حماس الحجاب في غزة، وإنما فرضت الأمن والنظام وتمكنت العائلات بلباسها المعتاد من التمتع بالتنزه على الشاطئ بشهادة الصحافة الغربية. وعندما كنت في غزة فوجئت أن من أكثر المنصفين لحماس مراسلة نيويورك تايمز وهي غزاوية غير محجبة. وفوق ذلك لم أجد من هو أكثر صراحة في دعمها من الأب مناويل راعي الكنيسة الكاثوليكية في غزة. وتظل غزة مثل كل المدن العربية المحافظة (طبعا تستثنى بيروت!) ولم تفرض حماس نمطا من اللباس على أحد رجالا ونساء.

لا شك أن حماس ورجالها كسبوا كثيرا لتمتعهم بالفضيلة وابتعادهم عن الرذيلة، وفي غزة وجدت رذائل كالمخدارات والدعارة وغيرها شكلت البيئة الخصبة لتجنيد العملاء كما هو موثق في كثير من الحالات. وقد ضربت حماس بيد من قانون على هذه الرذائل التي شكلت تجارة مربحة للبعض، وفي أرشيف حماس ما بعد الحسم ما يشيب له الولدان عن حجم ضلوع جهات نافذة في السلطة في الرذيلة واستغلالها لتحقيق مكاسب سياسية سخيفة من خلال الابتزاز.

لا أبرئ حماس بخاصة والإسلاميين بعامة من حماقات السلطة. فيعتقدون أن ما يبشرون به من فضائل في مواعظهم يمكن فرضه على الناس. فتلك قيم يشجع ويربى عليها ولا يمكن فرضها. وإلا كانت النتيجة العكس. والفرد يعجز أحيانا أن يستقيم على الفضيلة تماما فكيف بالمجتمع كله؟ وليس كل ما هو فضيلة عند الإسلاميين معدود كذلك عند المجتمع.

تظل معركة حماس مع الاحتلال وحده، وليس مع مخالفي برنامجها الاجتماعي، لكن لا شك أن الاحتلال والمصابين بعقدة رهاب الإسلاميين جعلوا من الفضيلة، وهي قيمة إنسانية عابرة للأديان والثقافات تهمة. فيصبح المثال المطلوب هو الإنسان “الرزيل” الطافح بالرذيلة المجرد من الفضائل. والشرطة الذين رملت محاسن وجوههم بالدماء صبيحة حرب غزة  لم تنهشهم عاديات الإف 16 لأنهم يتدخلون بحرية نساء غزة بل لأنهم عنوان حريتها نساء ورجالا.

هل تريد التعليق؟