مقالات

عندما تواجه نائبة أميركية الموت في سبيل فلسطين

ومن يريد منازعة حماس على السلطة عليه أن يدخل غزة لا أن يسخر ممن يكسرون الحصار عليها

يراهنون على كسر غزة لا كسر الحصار. فالنشطاء خصوصا الغربيون- جازاهم الله خيرا – لم يدخروا وسعا لتسيير سفن كسر الحصار إلى غزة على ما فيها من كلفة ومخاطرة. وجورج جالاوي الذي سبق أن تقدم العرب والمسلمين في كسر الحصار السياسي عن العراق قابل هنية وافتخر بحمل الجنسية الفلسطينية، والنائب الكويتي وليد الطباطبائي  كسر الحصار المصري ودخل عبر الأنفاق وأحسن الكويتيون عندما أعادوا انتخاب نائب لشجاعته.

    تلك المبادرات الفردية المحدودة لكسرالحصار لا تقارن بالمنهجية التي تقودها مصر والسلطة الفلسطينية لكسر غزة وإدخالها عنوة في بيت الطاعة تحت مسميات الرباعية وخيريطة الطريق. فإلى اليوم تمنع طواقم طبية ومنظمات إغاثية من دخول القطاع  عبر معبر رفح. ورئيس السلطة أبو مازن لم يكتف بالصمت تجاه القرصنة التي يمارسها المحتل على سفن كسر الحصار بل سخر منها علانية.

        يشارك في “روح الإنسانية ” التي تغيّب عنها  المسؤولون العرب والفلسطينيون نائبة أميركية وفائزة إيرلندية بجائزة نوبل. وفريق إعلامي من الجزيرة يتكون من الزميل عثمان البتيري والمصور منصور الإبَي. اتصلت بعثمان ومنصور وكانا بروح معنوية عالية. ينتظران “إبعادهما”. ومنصور اليمني ما كان يحلم أن تطأ قدماه أرض فلسطين ومازحني بأنه لو توفر “القات” فهو مستعد للبقاء سنة!

أقلت “روح الإنسانية”، على متنها 20 راكبا، بينهم النائبة الأميركية السابقة والمرشحة الرئاسية عن حزب الخضر سينيثيا ماكيني، والأيرلندية مايريد كوريجان ماجاير، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، بالإضافة إلى ناشطين آخرين من بريطانيا وإيرلندا والبحرين وجامايكا. وكانت “حركة غزة الحرة” قد نظمت خمس رحلات لسفن وصلت إلى غزة منذ شهر آب (أوغسطس) الماضي، متحدية بذلك الحصار الذي تفرضه إسرائيل على القطاع منذ سيطرة حركة حماس عليه.

     شاركت سينيثيا في رحلة مركب الكرامة الذي تعرض للقصف الإسرائيلي، ومن يقرأ  “يومياتها” في تلك المواجهة يدرك أي روح إنسانية تحرك تلك المشرّعة الأميركية التي حاول اللوبي الصهيوني إسقاطها في الانتخابات وفشل. تقول الأميركية الأكثر فلسطينية وعروبة من الساخرين منها “أشعر بسعادة لأن والدي نصحني بشراء دفتر خاص لكتابة كل شيء، وهذا ما حدث بالفعل”. عندما غادرنا قبرص، سألني أحد الصحافيين “هل أنت خائفة؟” رددت عليه بأن مالكولم إكس، ود. مارتن لوثر كينج، لم يكونا خائفين. ولكن بعد ساعات قليلة فقط، علمت بأنني يجب أن أستعد للموت. “هذه الفقرة مهمة لأصحاب نظرية” ثقافة الحياة!

تصف لحظة القصف “في ذات اللحظة، عندما بدت الأمور كلها على ما يرام، تعرضنا للقصف من حيث لا ندري، جاءتنا قذيفة ثم أخرى ثم ثالثة، والقذيفة الأخيرة ألقت بي بعيداً عن المكان الذي أجلس فيه، وتطاير الطعام الذي كان معنا في الهواء. وجميع الأكياس والأنابيب البلاستيكية تطايرت فوق المركب وسقطت على رؤوسنا. لقد قام الإسرائيليون بقصفنا. كيف عرفنا ذلك؟ لأنهم اتصلوا بنا على الهاتف بعد ذلك، ليخبرونا بأننا نورط أنفسنا في نشاط تخريبي وإرهابي. وإذا لم نعد على الفور أدراجنا إلى لارنكا في قبرص، سيطلقون علينا النار. وعلى الفور قمنا بارتداء سترات النجاة. ثم أعلن القبطان بأن الماء يتسرب إلى المركب. وقد نضطر إلى إخلائه. وأخبرني أحد زملائي بأن أستعد للموت. ورددت عليه بأنني “عشت حياة جيدة وكاملة. وقد تذوقت طعم الحرية وعلمت كيف تكون. وإنني جد راضية عن نفسي ومحقة في قراري بالانضمام إلى حركة غزة الحرة”.

هذه النائبة الأميركية لم تذق مرارة اللجوء ولم تفقد أرضها ولم ولم .. لكنها شعرت أن غزة تستحق التضحية. فالمحاصرون ليسوا حماس وحدهم، في الصحافة الإسرائيلية تقارير أن كتائب القسام استأنفت تهريب السلاح من خلال أنفاق على عمق 60 مترا. المحاصر هو الشعب بأكمله. ومن يريد منازعة حماس على السلطة عليه أن يدخل غزة لا أن يسخر ممن يكسرون الحصار عليها. فمن يكسرون الحصار يفوزون في الانتخابات في أميركا وفي بريطانيا وفي الكويت وليس في فلسطين فقط !

هل تريد التعليق؟