مقالات

عندما يحتفل بشار بـ “الاحتلال التركي”

لم يعد منصب بشار الأسد رئيسا للجمهورية العربية السورية، فهذه وظيفة تتطلب حماية أراضي الجمهورية. هو اليوم مجرّد منسق للاحتلالات الخارجية ومناطق النفوذ. وبدا ذلك أوضح ما يكون في تعامله مع اتفاق سوتشي الذي شرعن دخول القوات التركية المنطقة الآمنة على الحدود، وسمح لها بالقضاء على تنظيماتٍ سوريةٍ في وجود “الدولة” السورية. في اتفاق سوتشي، تمارس روسيا وتركيا اختصاصات الدولة العسكرية والأمنية، وهما قوتا احتلال. الأولى برضا النظام والثانية برضا المعارضة. طبعا المحتل الإيراني يمارس اختصاصات الدولة السورية في قلب دمشق، وليس على الحدود، وهو راضٍ بحصته من النفوذ. أما الأميركان فلم يعد لهم غير “مسمار جحا”، وجود رمزي قد يفعّلونه عند الحاجة. وتكتفي إسرائيل باحتلال الجولان والأجواء عند الحاجة. هي عمليا لديها اتفاق أوسلو غير مكتوب مع النظام السوري، يتيح لها المطاردة الساخنة، وانتهاك السيادة لقتل “الإرهابيين” وتدمير سلاحهم. ولا مشكلة لإيران وحزب الله في الخسائر المادية والبشرية على يد سلاح الجو الإسرائيلي، مع الاحتفاظ بحق الرد، وهو حقٌّ يرصد منذ نصف قرن.
يُدمي القلب أن سورية تفككت مناطق نفوذ إيراني روسي تركي أميركي إسرائيلي، وذلك بعد أن قتل النظام نحو مليون سوري، وهجر أربعة ملايين، ولا يزال المجرم مقيما في قصره، يواصل القتل والتهجير، ولم تعد المعارضة، عسكرية أو سياسية، قادرةً على التآثير. ذلك كله لا يعني أن النظام قادر على الاستمرار، فوضعه، مع كل زيادة في مناطق سيطرته، يزداد صعوبة، فهو مطالبٌ، مع كفيليه الروسي والإيراني، بتأمين متطلبات الحياة اليومية لملايين السوريين. وهو ما يعجز عنه في المحروقات والغذاء والبنية التحتية.
كسبت تركيا استراتيجيا من اتفاق سوتشي، وتمكّنت من القضاء على حلم الأكراد في إقامة كيان لهم في سورية. وباعت البضاعة نفسها مرّتين للرئيسين، الأميركي ترامب والروسي بوتين. بقدر ما خسرت الثورة السورية من اعتراف حليفها بالنظام السوري ولو ضمنيا. في المقابل، كسبت الثورة الحفاظ على وحدة أراضي سورية، وإخراج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) من المعادلة، وهو مجرد فصيل يعمل لصالح القوات الأميركية، ويلقى دعما إسرائيليا وسعوديا وإماراتيا. وبدا واضحا حجم غضب الداعمين على الاتفاق.
دخلت القضية السورية مرحلة جديدة بعد اتفاق سوتشي أخيرا. وعلى المعارضة السورية وحلفائها صياغة استراتيجية جديدة عسكريا وسياسيا. وتظل تركيا حليفا أساسيا، فالاتفاق هو اضطرار لا خيار، ولو دخلت في مواجهة مع أميركا وروسيا، فالنتائج ستكون كارثية بشكل أكبر على السوريين.
لم نصل إلى هذه المرحلة، لولا أن بشار الأسد فتح بلاده للاحتلال الإيراني أولًا، ثم الروسي، وتشارك معهما في قتل الشعب السوري وتدمير مقدّراته. وكذلك لولا تخاذل حلفاء الشعب السوري، من العرب إلى تركيا إلى الأميركان والأوروبيين. كان دخول الجيش التركي لحماية المدنيين ودعم المعارضة المسلحة كفيلًا بإسقاط النظام. وكان الرد العسكري الأميركي على قصف الغوطة بالسلاح الكيميائي كفيلا أيضاً بإسقاط النظام، لكن هذا لم يحصل، وتُرك الشعب السوري وحده يواجه البراميل والكيماوي وأجهزة القمع.
الاعتراف بالهزيمة العسكرية أمام روسيا وإيران والنظام لا يعني التخلي عن الثورة القادرة على استعادة زمام المبادرة في أي لحظة ضعفٍ للنظام، وهذا وارد في ظل عدم قدرة المحتلين على تأمين متطلبات الحياة اليومية للناس. وهذه المرّة ستكون الاحتجاجات من معاقل النظام نفسها، من دون إغفال النقمة الشعبية المتصاعدة ضد إيران في العراق ولبنان، وفي مناطق نفوذها.
بقيت مفارقة أخيرة في المشهد المأساوي السوري، وهو الموقف العربي من التدخل التركي، فجامعة الدول العربية والدول التي هدّدت تركيا ودعتها إلى الخروج فوراً من سورية أصيبت بالبكم بعد الاتفاق مع روسيا، وقبلها مع ترامب، أي هوانٍ هذا؟ لو كان ثمّة جامعة عربية لما وصلت سورية إلى هذا الدرك.

هل تريد التعليق؟