تستعد الجامعة الأردنية لانتخابات طلابية بعد عام من استئناف الحياة الديمقراطية فيها. وقد كانت هذه السنة هي الأهدأ بعد تعطيل مجلس الطلبة من خلال حكاية النصف المنتخب. وقياسا على ما سبقها ثبت أن الديمقراطية –على علاتها- هي العلاج لمظاهر العنف والتعصب جهويا كان أم عشائريا أم أقواميا (اثنيا).
في قراره التاريخي بإجراء الانتخابات قبل عام واجه رئيس الجامعة الدكتور خالد الكركي تحديا من المراجع الرسمية النافذة التي رفضت قراره. وبالتجربة ثبت صحة خياره التاريخي، لأن الديمقراطية تبدأ من الجامعة لا من مجلس النواب، وعندما تخلى رؤساء الجامعات عن استقلاليتهم وأذعنوا لرغبات من خارج الجامعة تدهورت الحياة السياسية في الجامعات وبتنا نشهد عنفا غير مسبوق، وانحدر الوعي العام مقابل نهوض الغرائز البدائية.
لم يكن العنف مقصورا على طلاب الجامعات، بل رتع في مجلس النواب، إلى درجة اعتداء نواب على صحافيين. وهذا طبيعي، ففي غياب السياسة التي تعني ممارسة الصراع سلما، يحضر العنف المادي.
هذه خبرة بشرية لم تكتشف عندنا! في “الغد” أمس نشرت الزميلة نادين النمري خبرا عن دراسة حول العنف الطلابي في الجامعة الاردنية أظهرت أن “التعصب القبلي يحتل المرتبة الأولى من حيث أسباب العنف داخل الجامعات بنسبة 91.9%”.
وشملت الدراسة عينة من 629 طالبا وطالبة في الجامعة لاستطلاع آرائهم حول أسباب العنف الطلابي.
قالت الدراسة ” إنه بالرغم من أن الجامعة الأردنية تقع في عمان، التي شهدت نهضة حداثة خلال أربعة عقود الماضية، بيد أن غالبية المشاجرات والعنف التي تقع داخل حرمها تعود لأسباب قبائلية وعشائرية”.
يُشكر الباحثان (اللذان أعدا الدراسة) على جهدهما، إلا أن التوصيات التسع التي خرجا بها (على عهدة الخبر المنشور) لم تتطرق إلى الانتخابات.
من خلال عملي الصحافي شاهدت ميلاد العنف العشائري في الجامعة الأردنية، فمع انحراف المسار الديمقراطي عام 1993 كانت استراتيجية مواجهة التيار الإسلامي تقوم على أساس تنمية الروابط العشائرية والجهوية في ظل غياب تيار سياسي موازٍ.
وبالنتيجة، دُمّرت الحياة السياسية في الجامعات، وعادت أكثرية الطلاب إلى روابطها الغرائزية البدائية. ولم نعد نشهد تكتلات فكرية أو سياسية بل قسمة تبدأ ببلد الأصل ولا تتوقف عند الطائفة والعشيرة في كليات تعلم سيادة القانون.
الحل هو العودة إلى السياسة، أي مجالس طلبة مسيَسة، ومجالس نواب مسيَسة. هذا لا يعني مجالس “إسلامية” أو “يسارية”. يوجد متسع للجميع، وعلى رأسهم التيار الوطني الذي رعته مؤسسات في الدولة. وأعتقد أن هؤلاء الطلاب قادرون على المنافسة السياسية، وليسوا بحاجة إلى وصاية من أحد.
لا يجوز للدولة أن تكون طرفا في صراع طلابي، الدولة للجميع وليست لفئة. عليها أن تفعّل المجلس الأعلى للشباب والنوادي والمنتديات العامة المفتوحة للكافة، إذ لا تخلو قرية أو حي من نادٍ ثقافي أو اجتماعي أو رياضي، على الدولة أن تدعمه معنويا وماديا، في المقابل لا داعي لبناء هيئات وأبنية جديدة.
هل تريد التعليق؟