مقالات

غابات برقش: لماذا لا تكون مثل غابة الجامعة الأردنية؟

لا يوجد عاقل يفكر بقطع شجرة، فكيف إن كانت 300 في غابة برقش؟ ماذا سيكتب عنا المؤرخون؟ في الأماكن التي يخطط لزراعتها تزرع أبنية إسمنتية، وفي الأماكن التي يحظر القانون قطع أشجارها أيضا تلتهمها أبنية الإسمنت. وكأننا بلد غابات نعتاش من تجارة الأخشاب.
خططت أمانة عمان سابقا لزراعة العبدلي، والنتيجة إبداعات شركة موارد التي زرعتها بغابات إسمنت. في العالم الحديث يهدمون في العواصم ويزرعون الأشجار، كما في “السنترال بارك” في مدينة الأبراج نيويورك. مشروع العبدلي، هو كارثة بيئية وحضرية. لن نشاهد اختناق سير فقط، سنشاهد اختناقا سلوكيا في بلد لا يعرف التقسيم الطبقي الحاد الذي تمثله الأبراج.
حفرة من أجل الأبراج كلفت 9 ملايين دينار، لنتخيل لو أن هذه الملايين أنفقت على غابة العبدلي. ستكون رئة للناس، ليس من أجل الأطفال الذين تضيق بهم البيوت فقط، بل من أجل الكبار الذين سيجدون فضاء عاما يلتقون فيه هم وعائلاتهم وأصدقاؤهم. لا يوجد فضاء عام عندنا في الأردن غير المسجد والكنيسة. عدد الحدائق عندنا لا يكفي حيا واحدا، ولا توجد في كل العاصمة بقعة خضراء. حتى المدينة الرياضية على محدوديتها استبيحت.
يشاهدون أبراج نيويورك ولا يشاهدون حديقتها المركزية (السنترال بارك)، ولا يدركون أن الأبراج كانت تعبيرا عن انتصار إنتاجي مدو، سواء في العلوم أم في الصناعة أم التجارة أم الزراعة. لم تكن تعبيرا عن تباه فارغ. في سنوات الكساد تحدت أميركا نفسها وبنت “الأمباير ستيت”، أعلى مبنى في العالم  حينها، إشاعة لروح التفاؤل والتحدي. وهو ما فعلته ماليزيا في بناء برجيها. ما الذي تتحداه أبراجنا؟
ضيق الأفق امتد خارج العاصمة، وفي برقش. تاريخيا لا تقام المباني الحكومية أو العسكرية على حساب الغابات، على العكس. غابة الجامعة الأردنية تم زرعها  تعبيرا عن حضور الدولة.
كنت مع أولادي في غابة دبين، وكم سعدت بكيس القمامة الذي تشتريه بدخولك الغابة. إنه التزام رمزي تجاه أجمل ما عندنا. وكم صدمت بقذارة المكان بفعل المواطن الكاره لذاته. أدعو كل المدارس، وخصوصا مدارس ذوي النعمة من فئة النجوم الخمسة، أن ينظموا نشاطات لتنظيف غابة دبين. أدعو النقابات إلى نشاط كهذا، فالانتماء هو عمل لا ادعاء.
لماذا لا يترك الناس بقايا طعامهم ويحولون المكان إلى مكرهة صحية طالما أن “الدولة” تغتال الأشجار في وضح النهار؟ أريد أن أدخل عقل المسؤول الذي يبني سجنا في غابة رميمين، ويريد بناء كلية عسكرية في غابة برقش، وأسأله: كيف تريد من الناس أن تحب بلدها وهو يهان بهذه الطريقة؟
كم سعدت بالاحتجاجات على استهداف برقش، فهي تعبير عن حب البلد والانتماء إليه. آملا أن تنتقل الكلية العسكرية إلى مكان آخر في عجلون التي لا تنقصها الجبال الجرداء، ويكون من شروط  الكلية زراعة المكان الذي تبنى فيه، ويشاهد من بعدنا غابة كغابة الجامعة الأردنية.

هل تريد التعليق؟