لا تكترث بالسيارات المسرعة ولا تخطف ناظريها، ولا تستمتع بشمس الغور ولا يضايقها حرها. جلست الصغيرة على جانب الطريق متماهية مع صناديق البندورة، والبشر الذين يمرون مسرعين عنها لا تلتصق بذاكرتهم وكأنها شيحة على الطريق ملت السابلة وملوا منها. كنت أعد تقريرا قبل عقد عن انخفاض منسوب البحر الميت، وقادنا العمل إلى غور الصافي. فصادفنا بائعة البندورة تلك.
لا تحسن التسويق، تهمس بالسعر المتدني للصندوق، وكأنها خجلة من بضاعتها التي شاهدناها غير بعيد مسفوحة على الأرض بسبب انهيار أسعارها. اشترينا كل ما عندها، وأخذنا بعضه. الهدف الأساسي تعبير رمزي عن دعم”فتاة البندورة” التي تبيع شيئا ضروريا للحياة من أجل أن تحيا.
عندما شاهدت كيلو البندورة يقفز عن الدينار ويقترب من الدينارين كنت أتمنى أن تقع تلك الزيادة في يد فتاة البندورة. وعن رضى اشتريتها، وما يقلقني، أن تزداد معاناة الفتاة مقابل إثراء تجار جشعين. وقصتنا في الأردن تتلخص في البندورة، فالأمن الغذائي والتنمية والعدالة ومحاربة الفقر يبدأ من تمكين أولئك الفقراء وإنصافهم.
لو أن تلك الفتاة تعلمت كيف تعرض البندورة وتسوقها، وكيف تحارب آفاتها وتزيد إنتاجها، وكيف تخزنها وتصنعها ووجدت تمويلا صغيرا، وإقراضا ميسرا ولو.. لما ضنت البلاد بالبندورة ولما غلا سعرها إلى هذه الدرجة، ولما علت أصوات مطالبة بوقف التصدير.
فتاة البندورة ضحية سياسات وقرارات غبية وجائرة وجاهلة، لم تجد تعليما ولا تدريبا ولا تسويقا، ولا تنصف الضحية بشراء صناديقها سواء كان الصندوق بعشرين دينارا أم عشرين قرشا، ولا بتدخل الدولة في التسعير ومنع التصدير. بالنسبة للمواطن صندوق البندورة أهم من صندوق الاقتراع، ولو أن الحكومة خفضت سعره وزورت الصندوق الثاني لما اكترث. والمعادلة الصحيحة أن الصندوقين مرتبطان عضويا ببعضهما. فلا يمكن تخفيض السعر من دون استراتيجية زراعية تترجم في الموازنة العامة وفي القرارات الحكومية. وتشارك فيها النقابات من المهندسين الزراعيين إلى اتحاد المزارعين.
عندما تجد نائبا يحجب الثقة عن حكومة أو عن وزير بسبب عدم دعم الديزل المستخدم في الزراعة تحل المشكلة. في أوروبا البلاد التي زرعت فيها بذرة اقتصاد السوق يستخدم المزارعون ديزلا مدعوما. فلا يتساوى ديزل يستخدم في تدفئة بركة سباحة مع ديزل جرار زراعي.
مشكلتنا أن النائب يمضي دورته النيابية وهو يستجدي وظيفة عامل مياومة من وزير. وفي النهاية يحصل النائب على وظيفة تافهة لـ “فتاة البندورة” لا تكفيها لشراء صندوق بندورة. مع الاعتذار لجوستاين غاردر صاحب “فتاة البرتقال”
هل تريد التعليق؟