خرجت بعثة صندوق النقد الدولي بتقييم سلبي، حسب ما يفيد من اطلع على تقريرها. وطالبت البعثة الحكومة بإجراءات قاسية تجنبا لكارثة اقتصادية. ويتوازى هذا التقييم مع تقييم لا يقل سلبية بخصوص الإصلاح السياسي، وهو ما يجعل البلاد أمام فشل مزدوج؛ اقتصادي وسياسي. وإن كان الوضع الاقتصادي يرتبط بظروف خارجة عن الإرادة، وتحديدا بسبب كلفة الطاقة، فإن الفشل السياسي يرتبط بإرادة غير جادة في الإصلاح، لا بل معادية له. والحل في النهاية سياسي؛ فلا يمكن اتخاذ إجراءات قاسية دون حكومة تحوز ثقة الناس.
علينا أن نعترف أن القوى المعادية للديمقراطية كسبت جولة، وعلى القوى الإصلاحية في الأردن أن تعيد تنظيم صفوفها وبرامجها وأولوياتها استعدادا لجولة جديدة من الحراك الإصلاحي. فما يمكن أن يطلق عليه “مشروع إصلاحي 1” أجهض وانتهى إلى إعادة تدوير مرحلة ما قبل الربيع العربي. واليوم، يمكن البدء بـ”مشروع إصلاحي 2″، بتجديد على مستوى الأفكار والأدوات.
حتى نبدأ بالمشروع الجديد علينا أن نعترف أن لحظة الإصلاح ضاعت بفعل حراك مضاد داخل الدولة. وهذا لا يعفي الحراك الإصلاحي من أخطائه، ولا يقلل من أهمية الظروف الإقليمية والدولية. لقد تمكنت تلك القوى المضادة، بأذرعها الطويلة، من تشويه الحراك الإصلاحي باعتباره مؤامرة للإجهاز على الدولة، وهي إلى اليوم تراهن عربيا على “الثورات المضادة” في بلدان الربيع العربي، وتأمل هزيمة الثورة السورية وإحباط محاولات الإصلاح أو الثورة في باقي العالم العربي.
بعد مشروع قانون الانتخاب الرديء، أصيب المراهنون على صمود رئيس الوزراء في مواجهة الحراك المضاد بخيبة أمل. فقد أبدى تماسكا في وجه الضغوط ومحاولات الالتفاف في أكثر من ملف، لكنه في النهاية قدم مشروع قانون لا علاقة له به، ولم يسبق أن طرحه من قبل. وهو قانون استفز كل القوى، وبدا كاللقيط الذي لا يعترف به أحد.
نفس الاستطلاعات التي ولد منها قانون 1993 وزور على أساسها ما تلاه من انتخابات، هي التي أنتجت القانون اللقيط. “كيف يمكن تحجيم الخطر الإخواني؟”، هذا هو الهاجس. وبسرعة، تكشف غياب ثقافة ديمقراطية لدى قطاع واسع في “النخبة” السياسية، من يسارها إلى يمينها، إذ بات مألوفا سماع تلك المخاوف في جلسات النميمة والغيبة التي تعبر عن افتقار لأبسط المعايير الديمقراطية. “ليبق الفساد والاستبداد ولا يأتي الإخوان”، هذا شعار المرحلة لدى ما يسمى بالنخبة. وجاءت الثورة السورية هدية من السماء لأعداء الإصلاح من زاويتين: الأولى، نحن الأفضل لأن الدماء لا تسفك عندنا؛ والثانية، أن “البعبع” الإخواني على الأبواب، وعلينا أن نقطع الطريق عليه هنا.
تتحمل القوى اليمينية في الدولة مسؤولية إجهاض المشروع الإصلاحي. وللأسف، نجد بلدا قريبا من تجربتنا مثل المغرب انتهى من الإصلاحات، وجرت فيه الانتخابات وشكلت الحكومة، ونحن لم ننجز غير الراتب التقاعدي للنواب. تلك القوى عليها تحمل مسؤولية المرحلة طالما أنها ترفض الإصلاح ومنطق الشراكة الوطنية، وهي اليوم مدعوة إلى تشكيل حكومة جديدة بعد أن استنزفت حكومة عون الخصاونة. وتلك الحكومة هي التي ستتحمل مسؤولية القرارات الاقتصادية القاسية، وهي التي ستجرى انتخابات في عهدها، وسط مقاطعة متوقعة للقوى الإصلاحية. في حال كهذه، يحسن التمديد لمجلس النواب؛ فكلفته تقاعديا نفس كلفته عاملا. وربما كان هذا مغزى الإنجاز النيابي الأخير. وقد تبين، وفق المجلس، أن لا فساد في البلاد. وهو سيوافق على أي قرار اقتصادي صعب بـ111 صوتا!
هل تريد التعليق؟