يستحق الاستطلاع الذي أجرته جامعة ميرلاند بإشراف شبلي تلحمي بالتعاون مع مؤسسة جيمس زغبي لهذا العام 2008 أكثر من وقفة؛ فهو من انجاز مؤسستين علميتين محترمتين، وليس عليه شبهات تقلل من علميته، ويتعاطى مع قضايا حساسة تخشى كثير من الدوائر العلمية في العالم العربي التعاطي معها.
آتيا أهم ما في الاستطلاع:
1- يرى 86 في المائة من العينة أن القضية الفلسطينية أولية وضمن أهم قضاياهم. وهو ما يعاكس الانطباع السائد بأن القضية الفلسطينية لم تعد أولية للرأي العام العربي.
2- لا تزال نسبة 83 في المائة تأخذ موقفا سلبيا من الولايات المتحدة الأميركية، ونسبة 70 في المائة لا يثقون فيها.
3- على خلاف ذلك لا ترى الأكثرية أن إيران عدو يشكل تهديدا للمنطقة، ويرى 40 في المائة أن حصولها على السلاح النووي سيكون له آثار إيجابية على المنطقة. وفي سياق متصل لا يزال حسن نصرالله الزعيم الأكثر شعبية في العام العربي إذ حصل على 26 في المائة، تلاه بشار الأسد 12 في المائة، وهما حليفا ايران في العالم العربي. وبخصوص الأزمة الأخيرة في لبنان اعتبر 30 في المائة أنهم متعاطفون مع حزب الله و9 في المائة تعاطفوا مع الحكومة اللبنانية.
4- إعلاميا حصلت الجزيرة على نسبة مشاهدة 53 في المائة تلتها القنوات المصرية مجتمعة بنسبة 17 في المائة ثم قناة العربية 9 في المائة، أما الحرة فحصلت على 2 في المائة.
تتفق النتائج التي خرج بها الاستطلاع مع نتائج استطلاعات أجريت من مؤسسات علمية أخرى، سواء على مستوى العالم أم العالم العربي، أم أقطار عربية أحيانا. وهي تعكس مزاجا دوليا ومحليا في آن.
نبدأ من الآخر. هل صاغ الإعلام الرأي العام العربي باتجاه القضايا الأولى، بمعنى أنه من سوق حزب الله باعتباره مقاوما وإيران بوصفها صديقا ونفَر من أميركا وصورها عدوا وجعل من القضية الفلسطينية أولوية؟
قد يكون ذلك، وللإعلام دور أساسي في صياغة الرأي العام العربي، ولكن تظل الحقائق أقوى من الإعلام. فالقضية الفلسطينية كانت سبب الكوارث في المنطقة بما فيها الأزمة الداخلية في لبنان مؤخرا، وفي احتلال العراق وتدميره، وفي سلب المواطن العربي حريته.
والمواطن العربي عندما يعادي الولايات المتحدة لا يفعل ذلك لأنه يكره لبس الجينز ولا يطيق النظام الانتخابي، بل لأنها تساند الإجرام الصهيوني. وعندما يحب حسن نصرالله ليس لأنه شيعي، ولا لأنه سيطر على بيروت بل لأنه تحدى إسرائيل وهزمها. وينطبق هذا حتى على من يتبنون موقفا لفظيا معاديا لإسرائيل ويساندون المقاومة مثل إيران وسورية.
قبل الفضائيات هل كان الرأي العام العربي مختلفا؟ كلا. فالناس في العالم العربي أيدت الثورة الإسلامية في إيران عندما اتخذت موقفا معاديا من إسرائيل وأميركا. وفي الاتجاه المعاكس أيدت صدام عندما قصف إسرائيل وسبق ان انقادت لعبد الناصر وكل زعيم وعدها، ولو مجرد وعد بتحرير فلسطين.
يحسن بالقيادات العربية دراسة استطلاع جامعة ميرلاند، تماما مثل الرئيس الأميركي ومرشحي الرئاسة. فالرأي العام العربي ليس وهما. انه حقيقة فاعلة. وهذا ما أثبته ما بات يعرف بـ”هزيمة المشروع الأميركي في المنطقة”. فالهزيمة لم تتحقق بفعل القتال الضاري في العراق وفلسطين ولبنان فحسب، بل بفعل وقوف الرأي العام العربي ضده.
هل تريد التعليق؟