مقالات

في أكاذيب “التويتر” وتضليل الإعلام الغربي

    لا توجد وسيلة إعلام في الكون تقول أنها منحازة . ويدعي معظم الصحافيين وصلا بالحياد والموضوعية ، في المجمل تظل كل وسيلة إعلام منحازة بشكل ذكي أو غبي ، وصحفيوها جزء منها . ويمكن القول إن ثمة انحيازا مشروعا لصالح الضحايا والأطراف الضعيفة وانحيازا غير مشروع وظالم لصالح الظالمين والمتسيدين.

      في حرب غزة كان الانقسام واضحا وفجا ، فالإعلام العربي إلا ما شذ منه كان مع الفلسطينيين الضحايا وضد الصهاينة المعتدين المجرمين. في المقابل كان  الإعلام الغربي بما فيه البي بي سي مع الصهاينة الذين دمرت حياتهم صواريخ القسام النووية . واحتفى بقتلى العدو باعتبارهم ضحايا راصدا جنازاتهم وما سال فيها من دموع على أناس بتفاصيل إنسانية مؤثرة مقابل المرور الكريم على ” أرقام ” الضحايا الفلسطينيين.

     اطلعت على جزء من بحث  للطالبة الأردنية نور شريم التي  تعد لدرجة الدكتوراه  في بريطانيا عن تغطية حرب غزة مقارنة بين البي بي سي  بالعربي والإنجليزي والجزيرة بالعربي والإنجليزي لأتأكد من فجاجة الانحياز. فجريمة قصف المدرسة التي جرمتها تقارير دولية محايدة ، وذهب ضحيتها أطفال غطيت  جنازاتهم ضمن تقرير عن عودة التجوال في غزة في اليوم التالي ، وكأن الضحايا أرقام بلا تفاصيل . في المقابل أفرد تقرير خاص لجنازة جندي إسرائيلي بدا فيه مكتمل الإنسانية يودَّع بصورة مؤثرة من أقاربه ومحبيه ، ويختار المراسل اقتباسا “محايدا” من أحد أقاربه؛ فالجندي لم يقض في صراع بين حماس وإسرائيل ولا بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، خاض المعركة بين الهمجية ممثلة بالإسلام والحضارة ممثلة بالغرب . أي أن البي بي سي قالت للمشاهد الغربي أن هؤلاء الجنود يقضون دفاعا عنكم!

    في إيران كانت الفجاجة أشد سطوعا، فإيران ليست أول بلد يجري انتخابات محاطة بعلامات استفهام أو مزورة. وفي الانتخابات المصرية مثلا كان التزوير أشد وأنكى وذهب أيمن نور ( حبيب الأميركان!)  ضحية لتجرؤه على منافسة الرئيس المصري ، وتم التزوير على أوسع نطاق وبشهادة القضاء المصري ، واستخدم سلاح البلطجة ضد الخصوم من إخوان وغيرهم .. كل ذلك لم يجعل الإعلام الغربي مجندا ضد النظام المصري كما حصل في إيران.

     الأكثر إثارة في الانحياز ، هو ما كشفه  الكاتب وعالم الاجتماع الكندي ومراقب الأحداث السياسية العالمية ماكسيميان فورت المتخصص في الإعلام الحديث من أكاذيب حول ثورة التويتر  التي تخيلها العرب وهي غير موجودة. في مقالته “أحلام أميركا في إيران”: “إذا تحدثت العناوين عن ثورة تويتر في كندا (أي في مجتمع على اطلاع واتصال واسع بالإنترنت ومعرفة تامة بتقنيتها ولديه أعلى نسبة من مالكي الحاسوب الشخصي) سيبقى الشك يساور المرء لأن 74% من الكنديين بحسب الاستطلاعات لم يسمعوا بخدمة تويتر، ونسبة 1.45% فقط هي التي تستخدم هذه الخدمة، معظمهم من الشباب والمهنيين أو في الجامعات، وأنا ككندي يستخدم تويتر بفعالية أمثل جزءا من أقلية صغيرة”.

وتتمثل الثورة الوحيدة هناك في هذا السياق في مجرد وجود شخص يستخدم هذا الموقع خارج هذه الفئة القليلة، ناهيك عن تحديات تحول النظام السياسي باستخدامها، وهذا الأمر لا ينطبق على كندا فقط، فوفقا لدراسة أجرتها كلية الاقتصاد في جامعة هارفارد فإن 10% فقط من مستخدمي تويتر هم من ينتجون 90% من مضمون هذه الخدمة، أما ثورة تويتر الحقيقية فهي في الإثارة وترويج تويتر لذاته ومشاهدة معظم المستخدمين وهم ينتجون مضمون تلك الخدمة.

كم يمثل ثوريو تويتر الإيرانيون؟  يجيب الكاتب “الحقيقة هي أن عدد الإيرانيين الذين تم التحقق من استخدامهم لتويتر أقل من 45 ومعظمهم لم يتم التأكد من مواقعهم، ومعظمهم يرسل بالإنجليزية، بالإضافة إلى أن أقل من ثلث الإيرانيين هم من يمكنهم الوصول إلى الإنترنت. والظاهر أن الشباب الذين شاركوا في المظاهرات واستخدام تويتر تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاما، وهي الفئة التي تشكل أبرز المصوتين لأحمدي نجاد من بين  أعمار الفئات كافة وفقا للاستطلاعات.”

  رصد الكاتب  ما ظل يكرر إرساله أحد مستخدمي تويتر لمدة يومين وكان مضمونه مع القليل من التصرف أن الجيش الإيراني يتحرك الآن لمواجهة المتظاهرين، ووصف ذلك بالخبر الأكيد، بينما في الواقع لم يكن هناك جيش يتحرك ضد المتظاهرين، لا في ذلك الوقت ولا قبله ولا حتى بعده.

ويبدو- بحسب الكاتب –  أن بعض المعلومات قد خطط لها لنشر بيانات خاطئة عن سبق إصرار وتصميم، ومنها الإشاعات برفض الجيش تنفيذ أوامر إطلاق النار على المتظاهرين، وكذلك المعلومات المتعلقة بوجود مليوني شخص في الشوارع، وكذلك عن وجود 500 عنصر من مليشيا حزب الله اللبناني أرسلوا إلى إيران للمساعدة في السيطرة على الوضع، وهي أخبار عارية من الصحة.

أخطر ما في المقالة الإشارة إلى العامل الإسرائيلي: “ربما كان من الصعب تحديد عدد الأميركيين الذين شاركوا في ما تسمى بثورة تويتر الإيرانية، خاصة أنه في ظل السياق الجيوسياسي الحالي فإن مستخدمي تويتر من الإسرائيليين (من أكثر المشاركين في تويتر) لديهم مصلحة كبرى في التلاعب بالمناقشات خدمة لمصالحهم وتحقيقا لأهداف دولة إسرائيل كما يفعل العديد من الأميركيين. والشيء الذي يمكن القيام به هو محاولة إثارة مشكلة بين الإيرانيين وبين حزب الله كما جاء في رسالة أحدهم: “الغالبية العظمى من القوات التي تتصدى للمتظاهرين تتكون من لبنانيين وعرب استخدموا واستؤجروا لقمع الإيرانيين الشجعان”، بينما اختار مشارك آخر تحدثت إليه اقتباسا من التلمود وجهه للمتظاهرين الإيرانيين”.

     ترصد سقطات الإعلام الغربي في سياق دوره التاريخي باعتباره ممثلا لمجتمعات متقدمة معرفيا واقتصاديا وبالوقت نفسه ساعية للهيمنة والنفوذ . وهذا لا يلغي دوره الأساسي في فضح الكثير من الجرائم الإسرائيلية والأميركية. وسبق لشارون ان اتهم بي بي سي بأنها قناة الفلسطينيين. والإعلام الأميركي الذي هلل بمجمله لغزو العراق هو الذي كشف فضائح أبو غريب وشركات الحماية وغيرها.

    ويظل التحدي الأساسي هو بناء إعلام عربي يعبر عن الشعوب المستضعفة  في كل شيء والمقهورة بفعل الاستبداد الداخلي والاحتلال والهيمنة الخارجية. ويشكل الإعلام الحديث مهما قيل فيه من نقد, ومنه التويتر, فرصة للفكاك من الهيمنة الغربية.

هل تريد التعليق؟