مقالات

في الدفاع عن “لابسات البراقع يا سعد..”

 لا يقبل أن تستغل جريمة أو شبهة جريمة بساتر النقاب للهجوم على جماعة من النساء اخترن لبسه دينا أو عادة. وفرق كبير بين الترويج للباس معين والحض عليه وبين ازدراء الآخر والسخرية منه والتحريض عليه بسبب لباسه. وهذا ما فعله الرئيس الفرنسي العنصري ساركوزي في حظره للنقاب في وقت يقام للدعارة، وهي الرق حرفا، شارع في باريس تباع فيه المرأة وتشترى وتعيش نهبا للمرض والخوف والاستغلال.

  وإن كانت عنصرية الغرب تعود لمورثات الصراع وحاضره مع الإسلام مفهومة، فإن الحملة على النقاب في ديار العرب والإسلام مستغربة. ويمكن فهمها في سياق النظرية الخلدونية “من عادة المغلوب إن يقلد الغالب”. وقد شاهدت بعينيّ فتاة تستغل النقاب في الشارع العام ستارا لممارسة ما هو غير مقبول إلا أن هذا لا يدفعني للتعميم الظالم، وقدعرفنا جرائم يتستر فيها الجاني بزي رجال شرطة فهل نحظر على الشرطة لباسهم؟

  في الجوهر القضية هي القبول بالآخر، ففرض لباس معين بقوة القانون مسألة غير مقبولة. فلعلماء الدين والأهالي أن يحضوا الناس على اللباس الشرعي. لكن لا يجوز فرض لباس معين إلا ضمن خصوصية معينة كأماكن العبادة، ولم أعثر في التاريخ الإسلامي على مثال حظر فيه لباس بقوة القانون، ومظاهر الفرض قد تكون بدأت في الدولة السعودية الحديثة وبعد الثورة الإسلامية في إيران وفي إمارة طالبان. في المقابل فرض نزع الحجاب بدأ في تركيا أتاتورك الذي تبنى العلمانية الفرنسية وظهر في الغرب في فرنسا في الثمانينات وما يزال السجال محتدما في الغرب يميل لصالح من يرون فيه حرية فردية.

  ويظل النقاب أو البرقع عادة أكثر منه دينا، مع أن من علماء الدين من يرى فرضه، ولا دليل أقوى على عدم فرضه أن المرأة في الحج تكشف وجهها في أقدس مكان وزمان، وفي أغنية عمر العبدلات “لابسات البراقع يا سعد جننني” وهي من جذور سعودية، إشارة إلى شيوع النقاب في مرحلة سابقة. تاريخيا وإلى نهاية الدولة العثمانية ظل النقاب علامة المرأة المدنية والحرة، فأكثر البدويات والفلاحات يكشفن الوجه، والإماء في المدن يكشفن الوجوه والحرائر يسترنها.

  في الأردن، وأعتمد هنا على ذاكرة شخصية لا دراسة علمية، كان الأصل في مدينة معان النقاب، ربما تأثرا بالمدينة الشامية، أو الحجازية. في عمان أدركت عجائز شاميات يتنقبن وفي مسلسل “صح النوم”. كان النقاب من مظاهر المرأة. الموجة الجديدة من النقاب استجابة للفهم السلفي السعودي في الدين. وفي الخليج يمتزج الدين بالعادة والأصل نقاب المرأة حتى عند غير المتدينات، والعباءة والشملة في أكثر مدن العالم عولمة دبي هو الزي الذي يميز المواطنة عن الوافدة.

 لا يعكس اللباس بالضرورة شخصية لابسه، فكم من منقبة لا علاقة لها بالدين، وكم من متكشفة لا علاقة لها بالحرية، إلا أنه عندما يمارس بحرية يحفل بالرموز، ولا أنسى  المدونة السعودية الرائعة هديل الحضيف التي توفيت عن 25 عاما، ولم أعرف وهي المنقبة فتاة أكثر وعيا واتصالا منها بالثقافة الحديثة إعلاما وفنونا وأدبا. في المقابل هل نعتبر مطربات الابتذال معبرات عن حرية المرأة؟

  من حق الإنسان أن يعيش كما يريد لا كما يريد الآخرون. هذه القضية التي تستحق النضال. “ويا سعد لو تشوفا..”.

هل تريد التعليق؟