ستُضاف إلى سفر التاريخ صفحة مشرقة جديدة لانتصارات الرئيس بشار الأسد؛ إنه يوم كيوم دخوله بابا عمرو فاتحا، أو القصير، أو هروب جيشه من لبنان في العام 2005 زاهيا برايات النصر. إنها انتصارات البعث وأسرة الأسد منذ الانقلاب على الديمقراطية قبل نصف قرن؛ فهزيمة 1967 انتصار لأن إسرائيل لم تقض على النظام التقدمي، والهرب من أمام الجيش الإسرائيلي العام 1982 أيضا انتصار. وحتى حرب العام 1973 التي لم تحرر الجولان هي انتصار أيضا، لأن إسرائيل حققت على جبهة الجولان المحتل أمنا لم تحققه مع الدول التي وقعت معها معاهدة سلام؛ كمصر والأردن.
في هذا السياق يُقرأ النصر الأخير. فقرار الحرب كان متخذا، والنظام كان يعيش حالة انهيار. لكن حلفاءه الروس تمكنوا من تحقيق اختراق دبلوماسي، فانتصر بشار بدون قتال بعد أن هُزمت أميركا بالرعب.
لا أحد يعرف كم كلف البرنامج الكيماوي الشعب السوري، على حساب قوته وحاجاته الأساسية، لأن السلاح الاستراتيجي سيحقق التوازن مع العدو. لكن تبين أن هذا السلاح وضع في يد من استخدمه ضد الشعب السوري. وبقدر ما أثبت النظام جبنا، أثبت الشعب شجاعة لم تعرفها البشرية؛ إذ صمد ثوار الغوطة بعد الكيماوي، ولم تُكسر إرادتهم.
قلق أميركا لم يكن على الشعب السوري في حال الضربة؛ القلق كان على الإسرائيليين. فالنظام السوري في لحظة سقوطه من الممكن أن يسرب بعضا من “الكيماوي” للقاعدة، وهي قد تستطيع استخدامه ضد إسرائيل. فالنظام السوري استخدم “الكيماوي” ضد شعبه، واستخدم ما هو أفظع منه بالقتل والاغتصاب والتهجير والتدمير. الحرب ستكون أسهل إذا كانت إسرائيل في مأمن، وتأجيل الضربة في ظل التخلي عن السلاح الكيماوي قرار لا يمكن إلا أن يتخذه قائد عسكري أو سياسي.
صحيح أن قرار التأجيل أحبط الشعب السوري وكل من يقف معه، لكنه قرار أميركي؛ في الوجدان الأميركي إسرائيل ولاية أميركية، ويجب أن تظل بمنأى عن أي خطر مهما صغر. أما الشعب السوري، فهو مثل راوندا؛ مجرد عذاب ضمير بسبب عدم التدخل لمنع التمادي في القتل. وبشار وحلفاؤه يدركون محورية إسرائيل في القرار الأميركي.
اليوم قرار الحرب أسهل. ستكون حربا بلا مخاطر على إسرائيل، ما يجعله قرارا سهلا في أميركا.
في قرار الضربة، ظهرت هشاشة النظام السوري وحلفائه. فمع أنها مجرد ضربات جوية وصاروخية، ولا توجد قوات برية على الأرض، إلا أن الروس مارسوا من أجله استجداء لا يليق بدولة عضو في مجلس الأمن. وعلى الأرض، لم يتمكن النظام من تحقيق أي تقدم، مع أنها كانت فرصته الأخيرة.
قبول النظام السوري بتسليم سلاحه الكيماوي هو بداية لتنازلات لن تنتهي؛ سيدخل المفتشون كل مكان في سورية، ما سجعل الضربة المقبلة أسهل. كما سيجعل تقدم الثوار أسرع. وحتى سقوطه النهائي، سيبقى الأسد يهزج بالنصر هو وشبيحته.
هل تريد التعليق؟