مرت الذكرى الرابعة على استشهاد الزميل طارق أيوب، ولا يبدو أن ثمة ما تغير خلال السنوات الأربع. فأعداء الصحافة يزدادون شراسة بقدر ما يزداد الصحافيون صلابة. وللأسف، تتوسع دائرة أعداء الصحافة باعتبار أن الصحافيين هدف سهل يمكن النيل منه، وإيصال الرسائل من خلاله.
بعد استشهاد طارق أصدرت محكمة إسبانية مذكرة توقيف بحق ضباط أميركيين لأنهم تسببوا في قتل صحافيين إسبان في العراق غداة استشهاد طارق. ومع أن المذكرة غير قابلة للتنفيذ بسبب القوانين الأميركية التي تحصن الجيش الأميركي من المساءلة، إلا أنها تعبر عن رغبة في ملاحقة المجرمين بحق الصحافة الإسبانية. طبعا المذكرة لا تمحو من صفحة القضاء الإسباني ما فعله بالزميل تيسير علوني.
نعتذر من طارق، رحمه الله، لأننا لا نستطيع أن نفعل ما فعله الإسبان، وحسبنا أننا نتفجع على كل صحافي يرحل، ونخرج بإحصاءات توثق حجم الانتهاكات، قتلا وسجنا وطردا ومنعا من العمل. في جريمة اغتيال طارق أصابع الاتهام تؤشر إلى جهة واحدة، لكن ما أعقب الاحتلال جعل دم الصحافيين يضيع بين القبائل.
فمن قضوا بعد الاحتلال تتوزع مسؤولية استهدافهم بين الأميركيين والحكومة العراقية ومن والاها من مليشيات ومن اختلف معها ومع الأميركيين من الجماعات المسلحة. ولا يستطيع الإسبان ولا غيرهم إصدار مذكرة توقيف بحق المجرمين. الزميلة أطوار بهجت، رحمها الله، أنموذج لذلك.
ما يهم بعد أربع سنوات على الجريمة، أن لا ننسى، ليس وفاء للراحل فقط، وإنما حماية للبقية الباقية من الصحافيين. فطلب الحماية لهم ليس، كما في قانون المطبوعات الأردنية تمييزا لهم عن سائر البشر، وإنما محاولة لتكريس عرف عالمي يعامل الصحافيين معاملة الأطباء وهيئات الإغاثة، وغير ذلك من وظائف تصاحب الحرب وليست طرفا فيها.
سيقال إن الصحافي قد يكون طرفا في الحرب، وهذا صحيح. فالصحافي الأميركي كان مع الجيش الأميركي، تماما كما كان الصحافيون العرب ضده. لكن بما أن الصحافي لا يحمل سلاحا، فيجب أن يكون خارج دائرة الاستهداف، ولا يجوز ممارسة الإملاء عليه بدعاوى المهنية الكاذبة.
لا يمكن للصحافي أن يكون مثل كاميرته، هو ليس آلة. الصحافي الأميركي الذي يعتقد أنه جاء من وراء البحار بذريعة تحرير العراق من الديكتاتورية غير الصحافي العربي والمسلم الذي يرى في الجيش الأميركي أداة لاحتلال وتدمير واحدة من أهم حواضر العالم العربي والإسلامي. ومن ينظر لمن يقاومون الاحتلال بوصفهم إرهابيين، غير من ينظر إلى من يقاومونه بوصفهم أبطالا. من حق الصحافي أن ينحاز، ومن حق المشاهد أن ينحاز للمحطة التي توافق انحيازاته.
بعيدا عن كذبة الموضوعية، من قرر أن صدام ديكتاتور (وهي صفة يكاد يجمع عليها الإعلام الغربي والعربي)؟ ومن قرر أنه مخلوع أو سابق؟ لماذا لا يقال المخطوف أو الأسير أو المغدور؟ لتترك الكاميرات تتحرك بحرية، وليترك الصحافيون وشأنهم، ويبقى القرار للمشاهد.
كان طارق، رحمه الله، في آخر تقاريره مبتهجا بتدمير دبابة أميركية، تماما كما كان حزينا بتقدم تلك الدبابات، فهل كان بذلك يختلف عن مشاعر بلايين البشر الذين يكرهون الهيمنة والاحتلال؟ في المقابل، كان أكثر الصحافيين الغربيين يترقبون سقوط “الطاغية” في بغداد.
بعد أربع سنوات نترحم على طارق، ولا ريب أنه وجد عدالة في السماء نفتقدها في الأرض، وفوق العدالة وجد رحمة وسعت كل شيء. نترحم ونعتذر من طارق لأننا لم نفعل شيئا، ولا ندري ماذا سنقول لصغيرته فاطمة عندما تكبر، لعلّ عالمنا يكون أكثر عدالة وأكبر رحمة.
هل تريد التعليق؟