بحسب المفكر الإيراني علي شريعتي، فإن لا دين من الأديان ولا فلسفة من الفلسفات أعلت من شأن الفقير كما فعل الإسلام. فالفقير هو الطرف الأعلى في المعادلة “من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له”. فالغني ليس اليد العليا، بل هو الذي يرتقي إلى الفقير فيقرضه، مثل كبريات المصارف، في سبيل الحصول على الأضعاف المضاعفة. وحذر القرآن من إبطال الصدقات بـ”المن والأذى”.
في شهر رمضان الكريم يرتقي الغني حقيقة إلى الفقير الذي لا يجد ضرورات الحياة واحتياجاتها الأساسية، من مأكل ومشرب، ويتعفف عن الضرورات اختيارا لا اضطرارا. الارتقاء إلى حال الفقر إلى الله ليس بموائد رحمن وبوابات ذل تحول الوقوف عليها إلى مهنة لدى مدعي الفقر. الارتقاء إلى الفقراء يعني نظاما اقتصاديا عادلا، يشعر الناس بأنه يحقق استقرارا اجتماعيا.
لم يعد أحد في العالم يطالب بالاشتراكية بعد أن ثبت فشلها الذريع، لكن حاجة البشرية إلى العدل تتضاعف في ظل العولمة الاقتصادية الجارفة التي تأخذ في طريقها الطبقات الدنيا والوسطى وتبني طبقات جديدة تستأثر بالثروة والسلطة.
التحذيرات التي أطلقها تقرير الأمم المتحدة الأخير – حول الأمن والفقر- لم تصدر عن حركات احتجاجية يسارية، بل عن منظمة بيروقراطية مصالحها مع الدول وأصحاب المصالح. تخيلوا، حتى بوش حذر من عالم يهيمن فيه اثنان في المئة من البشر على الثروة! الحديث هنا ليس عن إصلاح العالم، بل عن مجتمعنا النامي الذي يصاب بعلل العولمة كما يقطف ثمارها. وليس ثمة ما هو أسوأ من زيادة مساحة الفقر كلما ازداد احتياطي العملات الصعبة.
على الدولة أن تشرع أنظمة وقوانين تضمن تعميم مكاسب الاستثمارات وتوزيعا عادلا للثروات، لكن ما هو أهم من ذلك مبادرة الناس والمجتمعات، باستقلالية عن الدولة، إلى مساعدة أنفسهم، وقد يكون الجهد الذي يبذله المجتمع، والمال الذي ينفقه، يتفوقان على نظيريهما اللذين تقدمهما الدولة. ثمة كثيرون في المجتمع يفعلون الخير بعيدا عن الدعاية والضوضاء، لكن حجم الطلب أكبر من المعروض.
يشكل شهر رمضان فرصة ذهبية لاستنفار طاقات الخير في المجتمع، والمطلوب من الدولة أن تشجع المبادرات المجتمعية. تخيلوا، لا يوجد في الأردن قانون وقف عصري، ولو أراد غني أن يوقف مبنى تجاريا لصالح الفقراء فهو لا يستطيع ذلك لأن الوقف عندنا هو بناء المساجد وحسب، أو ما تملكه وزارة الأوقاف من أملاك، مع أن الحضارة الإسلامية ظلت قبل قرون تحفل بالأوقاف للفقراء وطلبة العلم، قبل أن يتحول الوقف إلى وزارة.
ثمة مجتمع حي تشاهده في المساجد في رمضان؛ ليس في عديد المصلين فحسب، وإنما في الجهود الجبارة التي تبذل لإقراض الله قرضا حسنا. تجد شيبا وشبابا انقطعوا لجمع القليل مع القليل في سبيل إيصاله لمستحقيه، لا يرجون من غير الله جزاء ولا شكورا. مقابل هذا المجتمع الحي المحتفي بالحياة، ثمة مجتمع آخر ميت، منقطع لذاته وملذاته، لا يشعر بغيره مع أنه بشر مثله.
هل تريد التعليق؟