مقالات

قادسية صدام اللانهائية

مرت في أثناء العيد ذكرى الحرب العراقية الإيرانية، تلك الحرب التي غدت نهايتها عيدا حتى لمشعلها، في قصره في تكريت خلد تاريخ 8-8- 88 كل شيء في القصر على شكل رقم 8، أما تاريخ بدء الحرب في 22-9-1980 فهو كاللقيط الذي لا أب له. غاب الخميني وصدام ولو أنهما عاشا إلى اليوم لخطبا بنفس اللغة التي كانت سبب الحرب واستمرارها؛ الأول يرى نفسه إمام الأمة الإسلامية المكلف بتوحيدها وتحريرها ونهضتها، والثاني يرى نفسه القائد الضرورة للأمة العربية، وفي سبيل تحقيق تلك الطموحات سالت دماء مليون عراقي وإيراني، ودمر البلدان تماما. <br/> <br/>من أهم إشكاليات التأريخ في العالم أنه يُرى بعين أخرى غير التي شاهدت الحدث، نكتبه وفق النتائج. وإن كان السعيد من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ بنفسه، فإن هذه المنطقة لا تتعظ حتى بنفسها. <br/> <br/>أعود إلى سجالات العائلة في غضون تلك الحرب وبعدها في حرب الخليج الثانية وفي الحرب الأخيرة وكأن شيئا لم يحدث. <br/> <br/>إلى اليوم يخرج علينا من يتحدث عن العدو الفارسي! لا يكفي تلك الدماء التي سالت لابد من معركة جديدة نعد فيها مقاتلينا بسواري كسرى، وتنبش كل كتب العقيدة والفرق والمذاهب وتستدعى كل نظريات المؤامرة لتستعد الأجيال المقبلة لتحرير الجزر الإماراتية والأحواز وكردستان إيران وبلوشستان.. <br/> <br/>في تاريخ الحرب الإيرانية العراقية أن وكالة المخابرات الأميركية كانت تزود العراق بصور الأقمار الاصطناعية كلما مالت كفة الحرب لصالح إيران، ويزوده رامسفيلد بالسلاح الكيمياوي، وفي الوقت نفسه تستخدم الوكالة نفسها أموال المخدرات لتمويل صفقات سلاح إسرائيلي يغذي الترسانة الإيرانية وإيران تؤسس وتسلح حزب الله وصدام يحتضن أبو نضال! وفي الأثناء يدمر الطيران الإسرائيلي مفاعل تموز! <br/> <br/>لم يقتل إسرائيلي واحد في الوقت الذي كان إمام الأمة يبشرنا بصلاة العيد في القدس، وبموازاته كان القائد الضرورة يستعد لتكرار السبي البابلي بعد الميلاد. دمرت حياة الملايين من أبناء أمة العرب والإسلام. <br/> <br/>أعرف عراقيا كان يدرس الطب في لندن عندما انطلقت شرارة القادسية، ترك الطب وعاد ليفني زهرة شبابه في الحرب العبثية، خرج منها حيا، وفقد شهادة الطب، ليحقق ابنه اليوم طموحه الموءود ليس في العراق، ولكن في السويد التي قبلته لاجئا! هذا من المحظوطين فكيف بالمليون الذين عادوا توابيت عراقيين وإيرانيين؟ <br/> <br/>كل الشعوب تحارب، وإلى اليوم تستهلك الجيوش موازنة هائلة من موازنات الدول متقدمة أم متخلفة. ابن ولي عهد بريطانيا قاتل في أفغانستان! ومنها ترسل توابيت إلى بريطانيا وأميركا وإيطاليا.. لكن كما يستخدم العقل في السلم يستخدم في الحرب، وهم اليوم يحارون كيف ينسحبون من العراق وأفغانستان وكل ما خسروه لا يعادل معركة تحرير الفاو! <br/> <br/>ابتز نظام الشاه صدام حسين وأخذ منه حقوق العراق في شط العرب التي لم تتخل عنها أضعف الحكومات العراقية حتى في العهد الملكي. تخلى العراق عن شط العرب في اتفاقية الجزائر مقابل تخلي إيران عن دعم الأكراد الانفصاليين. بعد انتصار الخميني المدوي لم تعد طموحاته بحدود شط العرب، بنظره كان صدام شاها آخر يستعد للإطاحة به وتوسيع جمهورية الولي الفقيه. <br/> <br/>على عمق الخلافات السياسية والفكرية و.. بين العراق وإيران وسوء النوايا المتبادل، لا يبرر ذلك تلك الحرب العبثية التي كان فيها الانتصار مستحيلا. مع الكويت كان الخلاف ماليا فقط على النفط وكانت حرب أسوأ من سابقتها. <br/> <br/>بعد كل هذه السنوات العجاف علينا أن نعرف ببساطة من هو الجار ومن هو العدو. ولا عدو يستحق القتال إلا العدو الصهيوني، الذي احتل الأرض وشرد السكان. أما إيران فقد أخطأت بحقنا وأخطأنا بحقها، والسبيل الوحيد للتعامل معها هو الحوار والتفاهم سواء كان يحكمها الشاه أم الخميني. وإلا فإننا على موعد آخر مع قادسية لا نهائية، طبعا من دون سواري كسرى. <br/> <br/>[email protected] <br/>عن الغد.</p></div></h4>

هل تريد التعليق؟