حصلت على نسخة من مشروع قانون الأحزاب السياسية الجديد كانت قد وزعتها الناطق باسم الحكومة أسمى خضر, لكني بصراحة لم أعرف لماذا هذا المشروع وما هي مناسبته الآن, الاستغراب لسبب بسيط :لأنه لا يوجد سياسة حتى توجد أحزاب. وهذا ليس من قبيل أحجية البيضة من الدجاجة بل من البديهيات الواضحات. فالأحزاب في السياسة مثل الشركات والبنوك في اقتصاد السوق. لا يمكن أن يكون ثمة قانون شركات أو بنوك في بلد تملك الدولة أدوات الإنتاج.
في القانون الجديد يبدو أنه لا علاقة له بمفهوم الأحزاب الدارج عالميا, بمعنى أنها حكومة أو حكومة مع وقف التنفيذ. فحزب العمال في بريطانيا يقود الدولة بكل مؤسساتها والحزب الجمهوري … أما المحافظون والديموقراطيون فيشكلون حكومات ظل يتدربون فيها على القيادة إلى أن تتاح لهم فرصة الوصول للسلطة التي أبعدوا عنها بفعل صناديق الاقتراع.
لنتخيل أن حكومة حزب العمال في بريطانيا قدمت مشروع قانون تقول إحدى فقراته “يجوز للحزب استخدام المرافق الحكومية بعد التنسيق مع القائمين عليها وفي حدود التثقيف السياسي المعلن عنه والذي يوافق عليه الوزير” ويحظر على الحزب “استخدام دور العبادة والمرافق الدينية ومراكز النقابات والجمعيات الخيرية والأندية ..”. أولا الوزير قد يكون من حزب منافس فكيف يقرر نشاطا لحزب معارض له؟ ثانيا حزب العمال في بريطانيا يقوم بشكل أساسي على النقابات العمالية فكيف يحظر عليه استخدام مراكزها؟
مفهوم الحزب بالمعنى اللينيني لم يعد متداولا عالميا, أعضاء الحزب ليسوا بحاجة إلى تثقيف سياسي يعيد انتاج تفكيرهم من جديد, بقدر ما هم بحاجة إلى تواصل من خلال وسائل الإعلام حول المواقف العامة الأساسية. بمعنى هل يصوت نواب حزب العمال لصالح قرار بلير بخوض الحرب ضد العراق أم معه؟ قرار كهذا ليس بحاجة إلى جلسات تثقيف, إنه تصويت داخل مجلس العموم وفق رؤى كل نائب يعرف اتجاهات الرأي العام من خلال وسائل الإعلام بقدر ما يعرف مصالح الدولة.
أين نحن من بريطانيا؟ سؤال استنكاري مشروع, إذن لا داعي لقانون أحزاب لأن الأحزاب تعني ابتداء تداول السلطة. لتقدم الحكومة قانون اجتماعات عامة عصري, أي يلغي سلطتها في التحكم باجتماع الناس, لتقدم الحكومة قانون مطبوعات عصري يمنح الصحفي حرية العمل والحركة.. قانون أحزاب ليس أكثر من هروب للأمام. فإذا كان مرفوضا عمل النقابات بالسياسة, مع أنها لا تسعى للوصول إلى السلطة فكيف يسمح للأحزاب بالعمل وجوهر عملها انتزاع السلطة وتداولها!
لا داعي لتكبير الحجر, فمن يكبر حجره لا يقوى على حمله. يمكن الحديث عن مجتمع متسامح في الأردن. لكن لا يعني ذلك مجتمعا ديموقراطيا, هذا لا يعيب, خصوصا أن الواقع العربي يكشف عن مجتمعات غير متسامحة تمارس فيها أبشع درجات القسوة مع المعارضين. في التسامح يمكن القول إن تقارير منظمات حقوق الإنسان الأردنية والعربية والدولية تخلو من قوائم المفقودين. وهي قائمة تتعدى الآلاف في أكثر من بلد عربي.
من خلال التسامح يمكن التطور, من خلال الممارسة أولا والتشريعات ثانيا. التسامح مع المعارضة بكل صورها, سواء في مجلس النواب أم النقابات أم “الأحزاب” أم النقابات. وبعدها يمكن الحديث عن قوانين أحزاب وتداول سلطة. وإلا نكون كمن يخوضون معارك ويكسبون انتصارات على شاشة الكمبيوتر, أي تكرار فاجعة “الديجتل” من الاقتصاد إلى السياسة.
هل تريد التعليق؟