لو أن واعظا في قرية أردنية مهجورة، خطب الجمعة في عشرات المصلين وقال أنه في غضون رحلته إلى الحج التقى بالنبي عليه الصلاة والسلام، وحذره من عام صعب على الأردنيين، يقتل فيه الآلاف في انفجارات غير نووية. ماذا ستكون ردة فعل المصلين، سواء كانوا شبابا متعلمين أم شيوخا أميين؟ أجزم أن عجوزا سيصرخ في الخطيب ويطلب منه السكوت والنزول عن المنبر والكف عن التخريف. الفوضى ستعم المكان إلى أن يرتقي المنبر شاب متعلم ويهدئ الناس ويهاجم وزارة الأوقاف التي تسمح لمثل هذا المخرف باعتلاء منبر رسول الله.
أجزم أن هذا يحصل في الأردن البلد القابع في مرحلة متدنية من الاقتصاد العالمي. أما في أميركا البلد المتربع على عرش العالم اقتصادا وسياسية وعلما و.. فلا يحصل شيء من ذلك، بل يجد الواعظ المخرف بات روبرتسون من يروج أكاذيبه وهلوساته بأرقى وسائل الاتصال.
هلوسات الواعظ المتطرف ليست صرخة في وادي قرية مهجورة. إنها تجد آذانا صاغية لدى اليمين المتطرف الحاكم في البيت الأبيض. ألم يقل بوش أن الرب أوحى له بغزو العراق؟ والهلوسات تلك لا تدفع الناس إلى عمل الخير بل هي دعم مباشر لقوى الشر والاحتلال في العالم، وأبرزها إسرائيل.
يشاهد برنامج روبرتسون على شاشات التلفزيون نحو مليون مشاهد أميركي يوميا وتبثه (شبكة كريستيان برودكاستينغ نيتوورك) التي أسسها. ويعول عليه في المساعدة على تشكيل وجهات النظر السياسية للمسيحيين الإنجيليين المساندين لإسرائيل. وكان روبرتسون قد صرح في يناير/ كانون الثاني عام 2006 بأن الجلطة التي أصيب بها رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرييل شارون ليست سوى عقاب إلهي لانسحابه من غزة. تخيلوا واعظا على يمين شارون بطل صبرا وشاتيلا! الواعظ نفسه من دعا إلى قتل هوغو شافيز نجم أميركا الجنوبية اليساري.
عودة إلى موعظة بات روبرتسون الذي يقدم برنامجا دينيا تلفزيونيا شهيرا، فقد قال: “.. إن الله أوحى إليه بأن هجوما إرهابيا سيقع في الولايات المتحدة وسيسفر عن سقوط عدد هائل من القتلى في النصف الثاني من عام 2007”. وقال روبرتسون (76 عاما) في محطته التلفزيونية التبشيرية (كلوب 700) “لا أقول بالضرورة إنه هجوم نووي، فالرب لم يقل إنه نووي، سيكون هناك عدد ضخم من القتلى، من المحتمل ملايين الأشخاص في مدن كبرى”.
وأضاف روبرتسون: “الأشرار من الناس سيلاحقون هذا البلد وهناك إمكانية ليست إمكانية بل يقين مؤكد أن الفوضى ستكون هي السائدة”. ودعا مشاهديه إلى “أنه لا ينبغي عليهم أن يخافوا، لأنه إذا قتلتَ في انفجار أو حدث شيء من هذا القبيل فستذهب إلى الجنة وهذا أسوأ شيء سوف يحدث لك”. وزعم روبرتسون أن “الرب أوحى له بتلك الرسالة خلال خلوة سنوية للصلاة”، وقال إنه تلقى رسائل روحية أخرى خلال خلوات مماثلة سابقة.
أميركا يبدو أنها بحاجة للاستفادة من قانون الوعظ والإرشاد الأردني، لوضع حد لروبرتسون وأمثاله. وقبل ذلك بحاجة لوزراة أوقاف تحدد من يصعد على المنابر. هذه هلوسة أيضا. فالتفكير العلمي ليس ثمرة تحكم الدولة بالمنابر، بل هو نتاج مجتمع حر تحمي الدولة حق أفراده وجماعاته بالتعبير. أما الدين فهو حاجة بشرية موجودة في أميركا، كما في الصومال. والحياة ليست عالم المادة والشهادة بل هي أيضا الروح والغيب. والنصف المخفي من الحياة يتحكم كثيرا بظاهرها. والمفروض أن أميركا تصحح نفسها وتخرج بوعاظ اكثر رحمة بالبشر من بات روبرتسون. ومن الممكن أن تتوصل المجتمعات إلى قوانين تحظر الشعوذة والتنجيم حماية للدين وللعقل معا. وهي قوانين لا علاقة لها بقانون الوعظ والإرشاد عندنا.
هل تريد التعليق؟