مقالات

قراءة في نتائج الانتخابات الأردنية: الهاجس المزمن دور الحركة الاسلامية

تشبه الانتخابات في بعض الدول العربية «عملية السلام» بين الفلسطينيين والإسرائيليين. فنادراً ما يمضي شهر من دون انتخابات رئاسية ونيابية وبلدية وحزبية. وكما تستمر «العملية» ولا تنتج سلاماً تستمر «الانتخابات» من دون نتائج تذكر، وهذا ما تشير اليه نتائج الانتخابات العامة في الأردن أخيراً.مع أن الدستور الأردني يحصر التشريع بمجلس النواب إلا أنه يتيح مثل كل دساتير الدول الديمقراطية للحكومة حق التشريع «موقتاً» في ظل «الظروف القاهرة»، ومنذ عام 1993 جعلت الحكومات الأردنية الدائم مؤقتاً واعتبرت أنها تعيش «ظروفاً قاهرة» تعطل الحياة النيابية، في بلد تنص أولى مواد الدستور فيه على أن نظام الحكم «نيابي ملكي». وفي عهد حكومة علي أبو الراغب صدر أكثر من مئتي قانون موقت لها عمليا قوة القانون الدائم. <br/> <br/>لم يعد الناخب ينيب ممثله في السلطة التشريعية بقدر ما غدت الحكومات بفعل التشريع والإدارة المنحازة للانتخابات تختار مجالسها. وقد أتاح قانون الانتخابات الفريد على مستوى عالمي هامش حركة واسع لتقديم وجوه ترضى عنها السلطة وابعاد من لا ترضى عنه. فالناخب يُسلب الجزء الأكبر من إرادته عندما ينتخب واحداً من دائرة متعددة المقاعد، خلافاً للنظام البريطاني القائم على الصوت الواحد للدائرة الواحدة، وخلافاً لنظام القائمة على مستوى الدائرة أو على المستوى المتبع عالمياً. ومع أن القانون صمم لتحجيم الحركة الإسلامية إلا أنه أدّى إلى تدمير الحياة السياسية، فالحركة تمكنت من الحفاظ على وجودها مع 17 مقعداً في انتخابات العام 1993 وفي المقابل خرجت باقي الأحزاب من اللعبة تماماً. وغدت أكثرية المجلس حكراً على المرشحين الفرديين الذين يعتمدون على عكازتين، العشيرة والحكومة. <br/> <br/>حاولت الحركة الإسلامية (جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي جبهة العمل الإسلامي) مقاومة سياسة التهميش التي عبّر عنها قانون الصوت المجزوء وبلغت المحاولة الذروة في مقاطعة الانتخابات النيابية عام 1997، الا انها باءت محاولتها بفشل ذريع. ولم تجد بداً من المشاركة في الانتخابات عام 2003، وتمكنت من المحافظة على حصتها، اي 17 مقعداً. غير أنها بلغت مرحلة الإحباط بعد انتخابات عام 2007 الأخيرة التي وصفتها الحركة هي والانتخابات البلدية التي سبقتها بأشهر بأنها «مزورة». وحل مجلس شورى الإخوان نفسه متحملاً مسؤولية الوقوع في «فخ» الانتخابات من دون ضمانات. <br/> <br/>لم يصدق كثير من المراقبين المستقلين رواية الحكومة عن حصول الحركة الإسلامية على ستة مقاعد في المملكة، مع إقرارهم بأن الحركة تتراجع شعبياً وتتراجع معها كل مكونات العملية السياسية في البلاد. أكثر النتائج غرابة كانت في مدينة الزرقاء التي تظهر استطلاعات الرأي وآخرها ما أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية أنها معقل للحركة الإسلامية لكن نتائج الانتخابات أظهرت أن الحركة فيها لم تحصل على أي مقعد! وهو ما تكرر في أربد التي حصل مرشح الحركة عام 1989 على أعلى نسبة أصوات أكثر من ثلاثين ألف صوت. <br/> <br/>يرجح مراقبون وفق استطلاعات رأي حصة الحركة في الانتخابات الأخيرة بـ 18مقعداً، وهو رقم اشار اليه مسؤولون كبار في الدولة على رغم الخلافات التي شهدتها الحركة الإسلامية حول قائمة المرشحين. وهي قائمة اتهمت قيادة الحركة بأنها تواطأت بها مع الحكومة واستبعدت منها العناصر المتشددة. <br/> <br/>يصعب التقليل من قيمة اتهامات التزوير، خصوصاً أن الحكومة التي أجرت الانتخابات هي ذاتها التي أجرت الانتخابات البلدية والتي وصفها المركز الوطني لحقوق الإنسان بأنها فاقدة النزاهة وشهدت «انتهاكات جسيمة» تمثلت «في التدخل السافر لبعض الجهات الإدارية والأمنية في مسار الانتخابات لصالح مرشحين معينين على حساب منافسيهم، وممارسة الضغوط المختلفة على بعض المرشحين للانسحاب لصالح مرشحين آخرين». <br/> <br/>وسجل المركز الوطني في تقريره حول الانتخابات البلدية في الأردن التي جرت نهاية تموز (يوليو) الماضي «أسفه» لعدم تطبيق مرجعية الانتخابات بكل أنواعها من الدستور وقانون الانتخابات البلدية لعام 2007، واللذين أكدا على المبادئ الأساسية للانتخاب وهي العمومية والسرية والانتخاب المباشر وسلامة العملية الانتخابية ومعاقبة العابثين بإرادة الناخبين . وقال المركز في تقريره إن عدم الالتزام بالمبادئ السالفة الذكر أفقد الانتخابات «نزاهتها». <br/> <br/>وللعلم فإن المركز الوطني هو مؤسسة مستقلة تمولها من موازنة الدولة، ويرأسه رئيس الوزراء السابق أحمد عبيدات والذي عمل مديراً سابقاً للمخابرات. وفي الانتخابات النيابية إحتج المركز على منعه من مراقبتها بحرية، مع أن رئيس الوزراء كان رفض الرقابة من مؤسسات دولية ومن المجتمع المحلي مكتفياً برقابة المركز الوطني لحقوق الإنسان. <br/> <br/>لم يتوقف الأمر على ذلك، فللمرة الأولى يعرف الأردن في تاريخه مخالفات انتخابية تمثلت بشراء الأصوات ونقلها وإعادة بيعها، وفيما كانت وسائل الإعلام تغطي تلك المخالفات بالصوت والصورة لم تقم الحكومة بمحاولات جدية للحد منها، وبعد الانتخابات كانت النتيجة بحسب مدير تحرير يومية «العرب اليوم» فهد الخيطان ان «المال فاز». <br/> <br/>في الأثناء يظل السؤال ملحاً حول مستقبل الإصلاح السياسي في البلاد. فمنذ تولي الملك عبدالله الثاني سلطاته رعى جملة مبادرات إصلاحية لعل إبرزها: الأردن أولاً، والأجندة الوطنية، وكلنا الأردن، وجميعها ركزت على أولوية الإصلاح السياسي وتحديدا قانون الانتخابات. وكانت الأجندة الوطنية أكثر تلك المبادرات قبولا من الرأي العام، وشاركت فيها الحركة الإسلامية من خلال عبد اللطيف عربيات رئيس مجلس النواب الأسبق، وترأسها، في حينه، شخصية ديموقراطية هي وزير بلاط الملك مروان المعشر الذي غادر مواقع الدولة نائبا لمدير البنك الدولي. <br/> <br/>الحركة الإسلامية في الأردن قدمت إجابات محبطة على سؤال الإصلاح لكن خصومها قدموا إجابات لا تقل عنها سوداوية، فالكاتب جميل النمري من حزب اليسار الديموقراطي حصر خيارات دعاة الإصلاح ب «أن يرتاحوا على مقاعد المتفرجين ويُكتِّفوا أيديهم ويضعوا رِجلاً على رِجل ويتابعوا نتائج «قرار» نبذ مشروع الاصلاح السياسي». <br/> <br/>غير أن نبذ الإصلاح لا يعني غياب الانتخابات، فهي مستمرة بمعزل عن مدى جديتها أو نزاهتها، والعبرة في الشكل لا في المضمون. وسبق أن قال مسؤولون أميركيون في سياق نقدي «الأردن يجيد الحديث عن الإصلاح» واليوم يمكن القول إن الحديث توقف. <br/>- الحياة – <br/>www.maktoobblog.com/abuhilaleh</p></div></h4>

هل تريد التعليق؟