أشفق على رئيس التحرير وهو يسير في حقل ألغام عندما يتعامل مع قضية توقيف الناشطين سفيان التل وموفق محادين. وله الحق في الخشية أن يكون ثالثهما! فالمسألة تتناول بحساسية مفرطة وفي أجواء مشحونة يتسيدها المحرضون والمشككون وقناصو الفرص.
بيد أن وظيفة الصحافة الأساسية هي اقتحام “الأجواء الحساسة” لا الاكتفاء بـ” النشرة الجوية” التي تتابعها ربات البيوت ولا تغضب أحدا. وفي العالم كله تشارك الصحافة وغيرها من عناصر “المجال العام” في نقاش السياسيات التي تنعكس على العامة.
يحسن قراءة بيان 78 جيدا، فهو جوهر الخلاف، وقد عنون البيان بـ”ليست حربنا”، وقدمت المبررات لرفض المشاركة في “الحرب على الإرهاب”. الشيء الطبيعي أن يتصدى الموالون للبيان ويصدروا بيانا بعنوان “هي حربنا” ويتعهدوا بتقديم أموالهم وأنفسهم وأولادهم فداء لها. وهذا ما لم يحصل إلى اليوم.
لا اعتراض على الدعم الإنساني، وقد كنت أول من كتب في جريدة “الرأي” محييا المستشفى الميداني الأردني في مزار شريف، وقلت إن على العرب تحسين صورتهم أمام الأفغان. وبالمناسبة أعدت “الجزيرة” تقريرا عن المستشفى، ولم أسمع اعتراضا على مستشفى أردني لا في أفغانستان ولا في الفلوجة ولا في غزة. أشرعت الأسئلة بعد عملية قاعدة خوست، والتي هزت الرأي العام الأميركي، فكيف بالأردني؟
لقد شارك الزميل موفق محادين في برنامج “ما وراء الخبر” مع الزميل جميل النمري. ولنفترض أن كل من في الأردن اعتذروا أو منعوا فهل يوقف النقاش؟ سيتحدث ناشط من لندن بلغة لا تخضع للقوانين الأردنية أو المزاج السياسي السائد. وهذا ينطبق على الدكتور سفيان التل.
لقد جرى صباح أمس الاستجابة للنداءات وتم تكفيل الزميلين، غير أن ذلك لن يوقف النقاش بعيدا عن وسائل الإعلام التقليدية، وفي النقاش “التحتاني” تسود لغة التخوين والتشكيك والتهويل ويغيب الرأي الآخر، وهو ما نراه في الإعلام الجديد على الشبكة العنكبوتية. فالبلوي تشرب فكر “القاعدة” وروج له من خلال تلك الشبكة ولم يكتشف أمره إلا بعد سنين.
ليس مطلوبا من الكتّاب أن يتطابقوا مع الموقف الرسمي في الدول الديمقراطية، والذين يدافعون عن محادين والتل ليسوا مؤيدين للقاعدة، لكنهم معارضون للسياسات الأميركية في المنطقة، وهم ليسوا متهمين حتى يثبتوا في كل مقالة سلامة موقفهم الوطني.
هي بلدنا قبل كل شيء، سواء كانت حربنا أم حربهم، وحقنا سواء كنا باعة صحف على الإشارات الضوئية، أم كتابا في الصحف أن نقول رأينا بشجاعة ونزاهة، لأن ما يجري يخصنا، ولا توجد في الدنيا دولة تحقق الإجماع، يوجد توافق وأكثرية. والمواقف متحركة وليست ثابتة. فالأميركون الذين استهدفوا في “غزوتي نيويورك وواشنطن” يراجعون سياساتهم، وينسحبون من العراق، ويستعدون للانسحاب من أفغانستان، ويلهثون لمفاوضة طالبان، وذلك لا يدور سرا، وإنما في فضاء عام مفتوح.
لقد خلص الزميل محمد أبو رمان إلى أن “المشابهة بين القاعدة والشيوعية أكبر من ذلك، وتتمثل في أنّ كلا منهما يحمل (بذور فنائه) في داخله، لكنّ الفرق أنّ النظام الرأسمالي تمكّن من احتواء أزمته وتطوير بنيته وآلياته في مواجهة الشيوعية، في حين ما تزال الظروف الموضوعية العربية تخدم القاعدة، وتمدّها بأسباب الحياة والصمود…”. ولا ريب أن بيان 78 وتداعياته يؤكد صحة التحليل.
هل تريد التعليق؟