أي عمل عربي مشترك بأي مستوى يستحق الدعم. فاللقاء الذي شهده البحر الميت لـ”القيادات العربية الشابة” خطوة في الاتجاه الصحيح وإن كانت متواضعة أو شابتها أخطاء. ونقد اللقاء هو في سياق دعمه، لا تثبيط القائمين عليه.
إن كانت العولمة في بعض مظاهرها السلبية تهديدا للهوية، فالمجتمعون استخدموها في تثبيت الهوية العربية وإن بمضمون “معولم”. فالعالم ليس شركات وأسواقا بلا هوية ولا قضايا ولا خصوصيات. على العكس مكاسب العولمة من خلال ثورة الاتصالات تبني جسورا بين الشباب العربي لا تقل صلابة عما ابتنته جسور العالم القديم.
اللافت في التجربة أنها منجذبة إلى المراكز الجديدة التي أعطتها العولمة ثقلا ظل محتكرا للعواصم أو الحواضر التقليدية، فدبي تقدمت على بغداد ودمشق والقاهرة، تقدمت بقوة المبادرة الاقتصادية بالمقام الأول، فرئيس المنظمة سعد المنتفق هو “رئيس مجلس الإدارة”، في تعميم مفاهيم الشركات.
أما رؤساء الفروع فما كانوا بالطبع، أعضاء قيادة قومية أو قطرية، إذ كانوا رجال أعمال شبابا في بلدانهم. هذا لا يعيب المنظمة، إلا إذا أريد له أن يكون بديلا للعمل السياسي المشترك. هو مكمل ورديف ويسد ثغرة مهمة، إن كان كذلك يمكن أن يحقق نجاحا في إطار التخصص. والاستثمار في أرض لم توطأ من قبل (مفاهيم تجارية؟).
رجب طيب أردوغان يجسد إجابة على الهواجس تجاه “القيادات العربية الشابة”، فهو لم يكن في حياته رجل أعمال. بل احدى القيادات الشبابية التي صنعتها الحركة الإسلامية التركية، لاعب كرة قدم وابن حي شعبي فقير، قدمته السياسة لا الاقتصاد إلى رئاسة بلدية اسطنبول فأذهل بنجاحه الساسة والاقتصاديين واستفز العسكر.
لم يعتقل في قضية فساد، اعتقل عندما اخترق السقف في خطابه الشهير في سرت والذي ألقى فيه قصيدة “القباب خوذنا والمآذن حرابنا” لبث بعدها في السجن بضع سنين بعد أن تربع على عرش بلدية اسطنبول. كنت شاهدا على انتصاره في انتخابات سرت تلك البلدة الصغيرة التي أخرجته من السياسة وأعادته إليها، انتصر على العسكر، وواجه الأميركيين عندما نجح في منعهم من استخدام الأراضي التركية في غزو العراق. وقبل ذلك انتصر على شيخه السياسي المخضرم نجم الدين أربكان (توفي مطلع العام).
كان مهما للشباب المعولم أن يشاهد نموذج أردوغان، فهو وإن كان لا يتكلم الإنجليزية إلا أنه المسؤول التركي الذي جعل انضمام تركيا للاتحاد الأوربي مسألة وقت. وفي المقابل لم يتخل عن أحلام الشباب وما يزال، وعينه على أوروبا، مهموما بمصائب المنطقة إلى درجة القول إننا لا نستطيع النوم مما يجري في العراق. وتحدث عن ضرورة الاهتمام بالجانب الإنساني، فالصورة النمطية لرجل الأعمال أنه غير معني إلا بالربح فإن كسب ينام طويلا ولو احترق العراق.
يحتاج العالم العربي والإسلامي إلى رجال أعمال شباب ناجحين يستفيدون من مكاسب العولمة ووعودها، وحاجته ملحة لرجال سياسة شباب يصلحون ما أفسده الكبار. غاب قادة شباب في الاتحادات الطلابية والنقابات والأحزاب. وربما يكون العذر في بعض الدول أنها لا يوجد فيها أصلا لا اتحادات طلابية ولا نقابات ولا أحزاب. ولا تسمح بغير الشركات إطارا للعمل الجماعي.
الشركات وحدها لا تقود دولا، والتاريخ في منطقتنا يصنعه من يضعون أصابعهم على الزناد لا من يضعونها على لوحة المفاتيح. حتى في أميركا لا تقارن أهمية عملاق الحاسوب بيل غيتس بسياسي متخلف مثل رامسفيلد، فالأخير أطاح بنظامين قبل أن يستقيل.
هل تريد التعليق؟