لم أكن أتوقع أن يجد وقتا للرد على رسالتي القصيرة على هاتفه الجوال. بعد إعلان النتائج بعثت له “أميركا تغيرت والدور علينا” شوَش ضجيج الاحتفالات من حوله على المكالمة. لكنه بحماسه المعروف تحدث، معتذرا لإزعاجي مع ملاحظة فارق التوقيت بين البلدين، قال إن كلاما كثيرا لم يقله في خطاب الفوز لاعتبارات كثيرة. وهو يأمل بأن تكون رسالته المختصرة قد وصلت إلى كل شعوب العالم، وعليهم أن يدركوا بأنه رئيس أميركا، وبالكاد يستطيع أن يحل مشاكلها المعقدة وليس المخلّص الذي يحل مشاكل الكون.
“أرجو أن لا يحبطوا، لا أريد أن أخيب آمال كل الذين اقترعوا لي من مختلف القارات. كنت أضع عيني في عيونهم وأنا أخطب وأعلم أن صوتهم المعنوي لي بمكانة صوت الناخب الأميركي”.
أغلب حديثه عن الصراع العربي الإسرائيلي كان ليس للنشر. فهو واقعي ويدرك حجم النفوذ الصهيوني، وسيضطر خصوصا في البدايات إلى النأي بنفسه عن صراعات الشرق الأوسط المزمنة، وعدم التورط في مصادمة النفوذ الصهيوني. وليس مفاجئا أن تصدر عنه تصريحات تؤكد التزامه بالسياسة التقليدية في أميركا المؤيدة لإسرائيل. ذلك لا يلغي أن الصحافة الأميركية في استطلاعاتها كانت تصنفه الأبعد عن إسرائيل واتهمه منافسه ماكين بأنه مرشح حماس. واضطر مستشاره روبرت مالي إلى الانسحاب من حملته لأنه سبق وأجرى اتصالات مع الحركة المصنفة بأنها أرهابية.
وبخصوص العراق، قال ” تعرفون موقفي المبدئي ضد الحرب، والملف العراقي هو الأسهل بالنسبة لي، فقد تعبت أميركا من الحروب، ولا أحد يريد البقاء في العراق. المهم كيف سننسحب ونصلح ما دمرناه، فنحن لم نسقط طاغية وإنما دمرنا بلدا وتركناه فريسة للحرب الأهلية”.
وهو يشجع الحوار مع الجماعات المسلحة “لا يمكن أن تحقق انسحابا من دون حوار مع الجماعات المسلحة، وهو حوار بدأ في عهد بوش، والمطلوب أن يكون حوارا جادا يعيد للعراقيين كرامتهم لا حوارا يحقق مكاسب آنية من خلال مشاريع الصحوات”. ولم يعد سرا أن الأميركيين والبريطانيين يتفاوضون مع طالبان “سأدعم هذا الحوار لإنقاذ أرواح جنودنا وأرواح الأفغان”. سألته عن القاعدة فضحك: “هل تريد أن تحول كاريكاتير مجلة نيويوركر الذي يظهر فيه بن لادن في البيت الأبيض إلى حقيقة؟”.
لا تنشر كان يكررها في معظم حديثه عن القاعدة، ولكنه خلص إلى القول “الإيرانيون كانوا أول من استهدفنا بالتفجيرات الانتحارية في بيروت وزودناهم بالسلاح في الحرب العراقية الإيرانية، وليبيا فجرت طائرة مدنية ودفعت تعويضات وزارتهم كونداليزا رايس، فهل أدعو بن لادن إلى البيت الأبيض؟ لا. هو لن يجيب الدعوة إلا إذا قاد الطائرة بنفسه! دعك من السخرية الشيء الأساسي والجوهري أن الحرب على الإرهاب فشلت فشلا ذريعا، ولا بد مراجعتها جذريا”.
قل لي، ماذا عن الإصلاح السياسي عندكم ألم أمنحكم بارقة أمل؟ أجبته (باختصار فهو لديه ما يشغله في يومه التاريخي): ما أخشاه أن نشعر بالرضا بعد نصركم، مثل من يشجعون فريق برشلونه في كرة القدم ويفرحون لفوزه، وهم لم يحظوا بشرف الجلوس على مدرجات الملاعب، وننتظر أساطيلكم لفرض الديموقراطية. أميركا لم تتغير بفضل نضالك وحدك. قبل حبر الناخبين أريقت دماء مارتن لوثر كنج ومالكولم إكس. لم تستخدم إلى اليوم كل إمكانات النظام. مثل من يشتري الآي فون ويستخدم بعض إمكاناته. أوباما شغَل إمكانات النظام الموجودة منذ بداية السبعنيات.
يحتاج المسحوقون إلى قراءة ظاهرة أوباما، ليعلموا أن ما تحقق داخل أميركا نفسها لم يأت من رحم الانتظار. وإنما بجهد متواصل وتضحيات كبيرة. ولولا حركة الحقوق المدنية لما تمكن أسود البشرة من أن يكون ناخبا، فكيف يكون مرشحا لمنصب الرئيس! يكفى أن نتذكر أن مارتن لوثر كنج صاحب الحلم العظيم قضى مقتولا على يد القوى اليمينية في المجتمع الأميركي. وهو القائل “من يجعل الإصلاح مستحيلا يجعل الثورة ضرورية”.
لم يكن أوباما يسمع لم يكن أحد على الخط، لم يكن خط أصلا كنت نائما، مثل الملايين الذين سهروا يتابعون الانتخابات الأميركية، وتحولت أحلامهم إلى كوابيس.
هل تريد التعليق؟