لهواة نبش الفتاوى الميتة أقدم هدية ثمينة. توجد فتوى على لسان أحد الأئمة مصورة بالفيديو يحرّم فيها مشاهدة كرة القدم. والفتوى لها جذور سنية وشيعية عند من يرون فخذ الرجل عورة. ويضيفون على ذلك بأنها ملهاة وتضييع للوقت والمال. خصوصا في ظل “تشفير” قنوات الرياضة التي بات الاشتراك فيها يعادل مرتب موظف بسيط.
تلك الفتاوى ليست معزولة عن سياق كوني. جويس كرم مراسلة الحياة في واشنطن التقطت فتاوى هناك. التهافت على اللعبة لم يرضِ البعض في الداخل الأميركي، وخصوصا في أوساط اليمين المتشدد. وبرزت أصوات منددة بكرة القدم وعلى رأسها مقدّم البرامج اليميني في محطة “فوكس نيوز” غلين بك، الذي لم يصغِ لنصيحة هنري كيسينجر حول أهمية كرة القدم في توحيد الأمة، بل رأى فها سلعة “اشتراكية” و”أوروبية” عبرت الأطلسي للتطفل على القيم الأميركية. وذهب المقدم اليميني في أكثر من برنامج له الى انتقاد أوروبا واعتبار أنها “قدمت للعالم حربين عالميتين واشتراكية وكرة القدم… ونحن بغنى عن كل ذلك”. غلين بك الذي يأتي من تيار انعزالي في الحزب الجمهوري يقارب بين كأس العالم والأمم المتحدة ويرى في الـ”فيفا” مجلس أمن آخر يريد شد الولايات المتحدة إليه، كما يعتبر أنه ليس من باب الصدفة أن تبدأ عبارتا “سوكر” (كرة قدم) و”سوشاليست” (اشتراكي) بنفس الأحرف.
هذه النزعة اليمينية تجد بنظر المراسلة ” آذانا صاغية لدى أقلية من الأميركيين، إنما مهددة بالزوال اليوم، مع النمو المتزايد للعبة والجمهور الذي تغص به ملاعب لوس انجلوس ونيويورك وواشنطن، لمشاهدة ديفيد بيكهام يلعب مع فريق لوس انجلوس. كما يساعد اللعبة التغيير الديموغرافي في الولايات المتحدة ونمو الشريحة اللاتينية – الأميركية والجاليات المهاجرة”.
في معركة القيم نذكر آخر ما حذر منه صموئيل هنتنجتون المفكر الشهير صاحب “صراع الحضارات”، من تحدي ذوي الأصول الإسبانية للهوية الأميركية. خصوصا في ظل الهجرات الشرعية وغير الشرعية، والتكاثر السريع للجالية ذات الوضع الاقتصادي المتدني.
بمعزل عن نتيجة المباراة بين هولندا وإسبانيا، فإن كرة القدم مدينة للإسبان ومن هم من أصول إسبانية أو استعمروا على يد الإسبان. وهذا يعزز التهديد القيمي!
خلافا لما يراه مقدم فوكس، أرى في كرة القدم هيمنة استعمارية، في النهاية هزمنا نحن شعوب العالم الثالث والجنوب على يد الدول الاستعمارية شر هزيمة. فهولندا أول بلد استعماري في العالم، وإسبانيا ظلت تستعمر شعوب أميركا اللاتينية التي شهدت ميلاد كرة القدم ونموها. حتى هذه ليست لنا، رياضة الفقراء استحوذ عليها الأغنياء.
يوجد قدر كبير من التعسف في تحميل كرة القدم كل هذه الأحمال الثقيلة. لا شك أنها رياضة شعبية اجتاحت أكثر مناطق العالم انعزالية؛ الولايات المتحدة. وشعوبنا بحاجة إلى قدر من الترفيه، يكفيها ما يجثم على صدرها من الأزمات. أما من يرى في هذه الرياضة تهديدا للقيم، فلا شك أن قيمه أكثر خفة من كرة القدم.
هل تريد التعليق؟