مقالات

كسر حزب الله دونه سورية وإيران

تصريح رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية بأن هدف الحرب هو “كسر حزب الله” إما أن يكون معبرا عن غباء في قراءة الواقع اللبناني، وإما أن يكون معبرا عن عنجهية في غير موضعها. فكسر حزب الله يتطلب أولا إجماعا لبنانيا، وثانيا إقليميا، وثالثا دوليا. والحاصل هو انقسام في المواقف الثلاثة؛ انقسام مكن الحزب من البقاء والنمو والازدهار.

دع عنك الإطراء الكثير على الحزب في الإعلام العربي، فذلك لا يعني شيئا، والكلام الجميل عن “المقاومة الإسلامية” لا يروق لنصف الشعب اللبناني الذي رد على مسيرة الحزب الحاشدة تضامنا مع سورية بمسيرة أخرى تندد بالسوري وجهازه القمعي في لبنان؛ هذا قبل أن تضرب إسرائيل بسبب الحزب مطار بيروت واقتصاد لبنان الهش. فالنصف الآخر لا يريد حربا، وهو غير معني بالأسرى ولا بسمير قنطار، بل هو معني كثيرا بأن “يظهر” في خواتيم الأسبوع، للسهر في مقاهي سوليدير وعلى شاطئ البحر؛ هوية لبنان بالنسبة له هي السياحة، والسياحة فقط، وينظر إلى سماحة السيد حسن نصرالله باعتباره قادما من مكان بعيد.

وهذا النصف كان يأمل قي أن تكون آخر حروبه هي الحرب التي انتهت باتفاق الطائف، ولم تعد لديه الرغبة أو القدرة على مواصلة الحرب.

هذا النصف هو الموارنة بالدرجة الأولى، ومعهم أكثر السنة، وخصوصا في بيروت، والدروز. لكنهم وإن كانوا يشكلون الأكثرية في مجلس النواب والحكومة، إلا أنه لا شوكة لهم.

تطبيق الطائف على يد السوريين جعل السلاح حكرا على حزب الله، وجرد منه الآخرين. السنة أصلا بلا ميليشيا، كانوا ولا يزالون، والدروز والموارنة قبلوا بالتجرد من السلاح.

الشيعة في المقابل ظلوا الطائفة المسلحة المسنودة إقليميا من سورية وإيران. لكن الحزب ليس سلاحا ومقاومة، بل أكبر مشغل في لبنان، ومجموع ما يدفعه من رواتب يصل إلى مائتي مليون دولار، بحسب التقديرات الأميركية. أي أن الالتفاف حوله ليس مجرد مبادئ وطنية أو غرائز طائفية، إنها شبكة مصالح لا غنى عنها، ولاعب إقليمي يمثل رأس حربة لإيران وسورية.

قبل كسر حزب الله لابد من كسر النظامين الداعمين له، إيران وسورية، وإسرائيل مستعدة للمضي في المحاولة إلى نهايتها؛ تبدأ في بيروت وتواصل في دمشق وطهران. سورية وإيران تقاتلان بحماس وحزب الله معا، فهما السلاح الاستراتيجي المستعمل، لا السلاح الاستراتيجي الصاروخي المعطل أو المؤجل. وسورية لديها مخزون صاروخي ومدفعي قادر على دك إسرائيل، لكنها لن تستعلمه دفاعا عن لبنان، برغم معاهدة الأخوة بين البلدين!

من يريد كسر الحزب عليه أن يشعل حربا أهلية أيضا، لكن الخشية أن يتمكن الحزب من حسمها على طريقة المحاكم الإسلامية في الصومال. فجماعة أميركا في لبنان، أو أعداء الحزب، كانوا يأملون بزحف أميركي يخلصهم من الحزب، وهم اليوم يشعرون بالمرارة لأن أميركا تقف متفرجة، مكتفية بالتصريحات في المؤتمرات الصحافية. وهم يدركون أن الحزب يسيطر ليس على أرض الجنوب والضاحية ومناطق تواجد الشيعة، بل هو متغلغل في المؤسستين العسكرية والأمنية؛ فمخابرات الجيش تكاد تكون تابعة لحزب الله، والأمن العام كذلك.

ما يقال عن المقاومة في العراق يقال عنها في لبنان، فهي في العراق مقتصرة على أهل السنة، وفي لبنان مقتصرة على الشيعة. وكما في العراق، حيث تتغذى على الاحتلال والانقسام، هي في لبنان كذلك. والحديث عن كسر حزب الله يعني شطب الشيعة في لبنان، وهذا غير ممكن إلا باستخدام السلاح النووي. أما ضرب بيروت ومن بعدها دمشق، فهو يعزز حضور حزب الله الذي يحترف القتال. والإعلان عن استهداف حسن نصرالله  له قيمة وحيدة؛ سيقلل حجم المؤتمرات الصحافية التي يكثر منها، ويعطل مشاركته الشخصية في الحوار الوطني غير المنقطع. أما النيل منه فيذكر بنيل إسرائيل من محمد الضيف، المطلوب الأول عندها، الذي لم تستطع قتله في مطاردة امتدت سنين عددا.

استهداف حسن نصرالله يذكر أيضا باستهداف الأميركيين لصدام حسين وبن لادن والملا عمر والزرقاوي، احتمالات الفشل أعلى بكثير من احتمالات النجاح. وإن نجحت في النيل منه ستكرس رمزيته، ليس على مستوى شيعة لبنان، بل على مستوى العالم الإسلامي. وهو اليوم من القلة في الطائفة الشيعية التي تمكنت من تحقيق حضور في الوسط السني، وصوره ترفع في التظاهرات في فلسطين. وحزب الله إن كان يستفيد من حضوره الكارزمي الطاغي، فإنه يعمل من دونه، فالحزب مؤسسة حديدية تعمل به وبغيره.

على إسرائيل أن تتواضع، فهي لم تستطع كسر حماس رغم اغتيال العشرات من قادتها واعتقال الآلاف، ولم تستفد من الانقسام حول المقاومة في فلسطين، مع انه وصل درجة الاشتباكات المسلحة في غزة بين فتح وحماس. على إسرائيل أن تعترف أنها السبب في التصعيد، ليس لأنها تحتل أراض فلسطينية وسورية ولبنانية، بل لأنها بادرت إلى تدمير حماس، ولم تسمح لحكومتها بالعمل، وحماس لو تركت لمددت الهدنة إلى إشعار آخر.

أحمدي نجاد وبشار الأسد وخالد مشعل وحسن نصرالله سعداء بالمواجهة التي قدمها لهم الإسرائيليون على طبق من ذهب. أحمدي نجاد يعلن أنه يبني ما تهدمه إسرائيل في لبنان، وبشار الأسد حاضر في لبنان أكثر من أيام رستم غزالي، وخالد مشعل وحسن نصرالله يمسكان بزمام المبادرة على مستوى الإقليم.

الإسرائيليون يتحركون وهم يعلمون مدى الانقسام العربي؛ فللمرة الأولى تصدر تصريحات سعودية تحمل حزب الله مسؤولية التصعيد، لكن ما جدوى ذلك؟

الرأي العام العربي مع حزب الله ومع حماس. هذا ليس ادعاء، ففي استطلاع أجرته خمسة مراكز دراسات عربية معتبرة في العام 2004 عن الموقف من المقاومة والإرهاب في خمس دول عربية، كانت نسبة من يعتبرون حزب الله حركة مقاومة مشروعة في الأردن 84%، وفي  سورية 96%، وفي لبنان 75%، وفي فلسطين 92%، وفي مصر 80%. حماس لم يكن وضعها مختلفا، ففي سورية 95%، وفي لبنان 62%، وفي فلسطين 94%، وفي مصر 85%، وفي الأردن 87%.

هذه النسب ستكون مرشحة للزيادة مع تصاعد المواجهات، فإسرائيل بالنسبة للمواطن العربي قوة احتلال غاشمة، تمارس أبشع الجرائم على مرأى من العالم. الانقسام فقط موجود في الموقف الرسمي العربي وفي الشارع اللبناني، وهو انقسام غير مؤثر؛ فلو توحد الموقف الرسمي العربي والشارع اللبناني فلن يستطيعا نفع حزب الله ولا الإضرار بإسرائيل، أما الشارع العربي فسيحرق الأعلام الإسرائيلية، وسيشعر بالفرح مع كل صاروخ يسقط على فلسطين المحتلة، وبالحزن على كل صاروخ يسقط على لبنان. فالانقسام ليس بين من مع قوى 14 آذار ومن مع حزب الله، الانقسام بين من مع إسرائيل ومن مع حزب الله، من مع سورية ومن مع إسرائيل، من مع إيران ومن مع إسرائيل. هذا الانقسام الكبير الذي يتغذى منه حزب الله وحماس وإيران وسورية، بقدر ما يتغذى الحزب من الانقسام الصغير في لبنان.

هل تريد التعليق؟