لنتخيل لو أن “الإخوان” حاصروا كنيسة في مصر واعتدوا على مصليها لأن الكنيسة قررت التصويت بلا للدستور، ماذا كان سيحصل؟ في المقابل يحاصر الشيخ الجليل أحمد المحلاوي وتحرق سيارته ويرمى مسجد القائد إبراهيم بالحجارة والشرطة تتفرج 24 ساعة والفضائيات المصرية تتابع الحصار وكأنه قي أميركا الجنوبية. جريمة الشيخ انه دعا للتصويت بنعم للدستور في خطبة الجمعة، وهو ما ينفيه الشيخ ويقول إن التسجيل موجود وهو دعا للوحدة الوطنية وتجنب الفتنة.
الشيخ أحمد المحلاوي تعرض لما تعرض له الرئيس محمد مرسي في قصر الاتحادية، ولولا تدخل شباب الاخوان لاقتحم القصر وقتل الرئيس، وساعتها سيقال ما قيل عن إحراق مقرات الإخوان ويبرر بـ”الانفعال الزائد” ويشكل مجلس رئاسي من جبهة إنقاذ الحزب الوطني بدعم من الجيش وأجهزة الأمن والدولة العميقة والفلول. الشيخ المحلاوي قامة وطنية وكان من رموز ثورة يناير، وهو لم يناضل بالصدفة ولا بأثر رجعي، لقد تصدى لدكتاتوريي مصر من عبدالناصر الى السادات إلى مبارك. وهو الذي قال عنه السادات في خطابه الشهير “أهو مرمي في السجن زي الكلب”، وكانت تلك العبارة من عوامل استفزاز خالد الاسلامبولي في قتل السادات.
صبر الإسلاميين وحلمهم بسبب أنهم الطرف الأقوى على الأرض، وهم يحتكمون للصندوق ولا يستدعون تدخل الجيش ولا التدخل الأجنبي. وبحسب استطلاعات الرأي فإن الدستور سيقر بأكثرية 70 ٪. وقد جاء الإقبال فوق التوقعات واضطر المعارضون للتراجع عن المقاطعة والتصويت بلا. وهم لن يقبلوا بالنتيجة في جميع الأحوال، وستستمر حالة الاستقطاب، ولن يقبل خصوم مرسي بنتيجة تقل عن إسقاطه. وهذا هو جوهر الخلاف في اللجنة التأسيسية، فلو نص على إجراء انتخابات رئاسية بعد إقرار الدستور لمشت الأمور بسرعة البرق. وهذا مناف لجوهر الديمقراطية الذي يقوم على أساس تفويض السلطة لفترة محددة وليس بناء على مزاج الخاسر.
خصوم الإسلاميين ليست قوى ديمقراطية أو ليبرالية، ولو كانت كذلك لاحتكمت إلى الصندوق ولما قتلت من الإخوان وأحرقت 35 مقرا، خصوم الإخوان توجد لهم وجهة بشكل ليبرالي هي محمد البرادعي، ولكنهم شتات لا يجمعهم غير عداء الإسلاميين. البرادعي نفسه كان حليفا للإخوان، وحمدين الصباحي دعموه انتخابيا وكل ما حققه حزبه بعد الدعم هو 8 مقاعد، عمرو موسى بشهادة الاثنين هو فلول، القوة الميدانية على الأرض ليست لهم وإنما للدولة العميقة من عسكر ورجال أمن وقضاء ورجال أعمال وإعلام وبلطجية، وفوق ذلك كله الكنيسة التي لها سيطرة شبه كاملة على خصومها. هذا الاستقطاب الداخلي يسعره استقطاب خارجي، وهو ما يمكن رصده من خلال مواقف الإعلام، لكن المسألة ابعد كثيرا من الإعلام، وكما يقول عبد المنعم أبو الفتوح وهو خصم للإخوان فان أموالا من الخارج صرفت للتأليب والتحريض.
لا يمكن في المدى القريب كسر الاستقطاب الحاد، ولكن في حال فاز الدستور بأكثرية نعم فإن المهمة ستكون أسهل، ولعلها تبدأ بتشكيل حكومة ائتلافية تعبر عن تعددية واختلاف المجتمع المصري، وستشكل فرصة لمراجعة كثير من الأخطاء التي وقع فيها مرسي والإخوان والاسلاميون عموما.
لن تترك دول الربيع العربي وشأنها، كثير من الدول تعتبر المعركة مع الاخوان معركة وجود وإفشالهم في مصر مقدمة لإفشالهم عربيا. المفارقة أن ممن يهاجمون الاستفتاء في مصر لا تجري انتخابات في بلدانهم ولا توجد عندهم لا أحزاب ولا نقابات ولا إعلام مستقل. لن تنتهي المعركة بعد الاستفتاء لكن قد نشهد هدنة لاسترداد الأنفاس ومواصلة الهجوم. من قال إن مخاض الديمقراطية سهل؟
هل تريد التعليق؟