رحب سفير السلطة الفلسطينية في مصر نبيل عمرو بقدوم قوات عربية إلى غزة ودولية إلى الضفة. وجاء ترحيبه بعد أن وصف وزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط تلك الفكرة بأنها “جذابة”. فغزة لا تحتاج إلى مساعدات في ظل إحكام إغلاق المعابر مصريا. وقوات الأمن المصرية نجحت في صد قوافل المساعدات القادمة من مصر في حين سمح الإسرائيليون لسفينتي المساعدات بالعبور، ولو بعد تضييق. ما يحتاجه أطفال غزة الذين قضى العشرات منهم حصارا هو “قوات عربية” تنجح في تقويض المقاومة وتسهم في تحرير شاليط الذي غدا محرك السياسة المصرية تجاه الفلسطينيين.
لا ينطق نبيل عمرو عن هواه، فهو رأس حربة متقدمة للمشاريع الأميركية والإسرائيلية، وعندما أصيب في قدمه في الأيام الأخيرة لياسر عرفات، كان ردا قاسيا من “الختيار” على تجاوزه بعيدا في تلك المشاريع. وهو قد يكون الوحيد الذي تمرد على ياسر عرفات وصرّح ضده علانية، وهو يتجرع السم الإسرائيلي. فعمرو ليس من يسمع آلاف استغاثات آلاف الصبايا اليتّم، ولكنه يسمع جيدا التقارير التي تتحدث عن عجز عسكري إسرائيلي في التعامل مع القطاع، وهو أكثر من غيره يدرك كيف انهار المشروع الدحلاني، الذي كلف عشرات ملايين الدولارات في ساعات. ولم يبق لتطويع غزة إلا إرسال قوات مصرية بغطاء عربي.
من سيرسل قواته إلى غزة؟ لا دولة عربية مستعدة لإرسال عسكري لغزة باستثناء مصر. فغزة بعد سيطرة حماس تعيش حال أمن واستقرار وحرية تعبير (نعم حرية تعبير) تفتقدها كثير من الدول العربية. ودور هذه القوات سيقتصر على القيام بمهمة عجز عنها الجيش الإسرائيلي وأجهزة أمن أوسلو مجتمعين وهي نزع سلاح المقاومة. وإعادة غزة إلى أحضان دحلان آخر. طبعا هذه القوات ستقوم بدور الأمن المركزي، ولن يسمح لها بالسلاح الثقيل أو المتوسط الذي قد يستخدم ضد إسرائيل. ومصر سترحب بمساعدات أميركية على دورها هذا، لكنها وهي التي تنفق بليونا ونصف بليون دولار على الأمن، أي أكثر مما تنفق على التعليم، فلن تكون غزة أكثر من ناحية في محافظة كبيرة.
لن تنجح فكرة إرسال القوات، وتدرك مصر أن نبيل عمرو لم يستطيع حماية نفسه من رصاص جماعة فتح، ومنذ طرحت فكرة القوات رفضتها حماس وفصائل المقاومة. وهي فكرة تناسب فصيلا بحجم الكتائب والقوات اللبنانية، ولا تناسب دولة بحجم مصر. فحجمها يفترض فيها أن تكون منافسة لإيران في دعم مقاومة الشعب الفلسطيني. أو على الأقل منافسة لسورية. فالسوريون لا يقدمون فلسا لفصائل المقاومة، سواء في العراق أو لبنان أو فلسطين، لكنهم لا يمارسون الحصار عليها.
يستطيع المرء أن يتوهم رخاوة في الحدود المصرية مع غزة تسمح بتدفق آلاف المقاتلين العرب إلى غزة، كما حصل في العراق. وهذا كفيل بتعديل موازين القوى وجعل السلام مع إسرائيل ممكنا. أما كابوس إرسال قوات مصرية إلى غزة بغطاء عربي، فهو يعني حسم ميزان القوة لصالح إسرائيل تماما. لقد أثبتت الخمسة عشر عاما المنصرمة منذ أوسلو أن المقاومة هي الورقة الوحيدة التي يمكن للفلسطينيين والعرب أن يضغطوا بها على إسرائيل. وخير لمصر أن تدعمها لا أن تقضي عليها. شاركها
هل تريد التعليق؟