مقالات

لا إصلاح بالصوت الواحد المجزأ

أخطأ واضعو الدستور الأردني عندما لم يدرجوا قانون الانتخابات ضمن بنوده كما فعل الأميركيون في دستورهم. فهو قانون تأسيسي للأمة، كالدستور، لا يخضع مثل باقي القوانين للمراجعات والتعديلات بناء على رأي الأكثرية في مرحلة من المراحل. والأسوأ من ذلك هو خطيئة الحكومات في اختراع تفسير غير مسبوق عالميا لـ” الظروف القاهرة” بحيث انتزع حق التشريع من السلطة الدستورية وهي مجلس الأمة وغدا “فرمانا ” يصدر عن رئيس الوزراء.

وحتى لو لم يكن القانون جزءا من الدستور، واعتبر تشريع الحكومة للانتخابات نوعا من ” الظروف القاهرة”، فإن التشريع المؤقت لا يمس جوهر القانون، ويقتصر على الجانب الإجرائي والتفاصيل. ما حصل عام 1993 من تشريع الحكومة لقانون الصوت الواحد المجزأ كان تعديا على الدستور شكلا ومضمونا، فهو قانون لا مثيل له في العالم ، ولا مثيل له في تاريخ البلاد، فالمملكة قامت على أساس انتخاب القائمة لا انتخاب الصوت الواحد المجزأ. ومن صوتوا على الدستور لم يكونوا منتخبين وفق الصوت المجزأ.

 اليوم، وبعد ستة عشر عاما على القانون نسأل ماذا تبقى من الحياة السياسية، ليس بمعنى الأحزاب وإنما الشخصيات السياسية بالمعنى الفردي. القليل القليل.. وكأنك تشاهد مسلسلا بدويا مملا. فالممثلون ليسوا بدوا لكنهم يقومون بمقتضيات الدور لهجة ولباسا وأداء. انتهت البداوة باعتبارها نمط حياة مع نشأة الدولة الحديثة التي جلبت الإسمنت والإسفلت والماء والكهرباء. وتحولت العشيرة إلى إطار اجتماعي لا سياسي. بالقانون افتعلت حياة لا علاقة لها بالحداثة ولا بالأصالة.

أمام استحقاق حل مجلس النواب والرسالة الملكية بإجراء انتخابات تقف الحكومة أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما الإقلاع وإما مواصلة الخداع؛ أن تقلع لبلد بقانون انتخابات يتجاوز الصوت المجزأ، ولو بالحد الأدنى الذي عبرت عنه اللجنة الملكية للأجندة وهو الصوتان: صوت فردي وصوت للقائمة. والأفضل العودة للقانون الدستوري وهو قانون القائمة على مستوى المحافظة. أما الخداع والتحايل على الإعلان الملكي، من خلال قانون يبقي على الصوت المجزأ فهذا تقصير مزدوج بحق الملك وبحق المواطن.

نجنح للتفاؤل، فقد كان بالإمكان الاستمرار بالمسلسل البدوي، لكن حل المجلس هو خطوة عملية باتجاه الإصلاح من خلال الانتخابات في موعدها الدستوري. وكان بالإمكان عدم الإعلان عن انتخابات مبكرة. الكرة اليوم بمرمى الحكومة وهي لن تقدم قانونا يحظى بالإجماع لكن بإمكانها أن تقدم قانونا يقلع بالحياة السياسية ، بحيث نبدأ بالناخب السياسي والنائب السياسي، بعدها يمكن أن تكون الكتل النيابية أحزابا سياسية. وهو ما يحدث في العالم كله.

 هل يمكن تخيل حزب جمهوري في أميركا من دون كتلة نيابية؟ أو حزب عمال بريطاني من دون كتلة نيابية؟ أحزاب لا تستطيع إيصال نائب لا داعي لوجودها أصلا. وتبقى منتدى فكريا ثقافيا.

لا داعي لاستخدام ” البعبع” الإسلامي. فالدمار الذي حاق بالحياة السياسية وأخرج معظم الأحزاب من قاعة التداول أبقى الإسلاميين قوة لا تشكل خطرا على أحد. وهي قوة مهمة لحفظ التوازن في البلاد. والمجلس غير المأسوف عليه كان من علله التي لا تبرأ ضعف تمثيل المعارضة الإسلامية التي همشت في “أسوأ انتخابات” على قول المركز الوطني لحقوق الإنسان.

وبدلا من التلهي بحكاية ” المال السياسي” علينا أن نفكر بشفافية تمويل الانتخابات من خلال صناديق معلنة للمرشحين. أما جرائم الرشوة التي وقعت في الانتخابات الماضية فيمكن لدورية نجدة أن تحبطها. لكنها وجدت غض نظر وتواطؤا أحيانا.

من يصل للعمل العام سواء كان نائبا أو زيرا يجب أن يكون فوق الشبهات. فمن تورط في رشوة ناخب فقير كيف سيفعل مع وزير؟ وهذه جرائم لا تسقط بالتقادم. فالراشي هو مرتشٍ بالضرورة ، ومن يستغل حاجة ناخب لشراء صوته هو أصلا يفتقد للحد الأدنى من النزاهة والشرف الذي يتطلبه العمل العام.

وقوانين البلاد لا تسمح باللعب على غرائز الناس، وبث الفرقة. فالعنصرية جريمة تقود إلى حروب أهلية. وهنا لسنا بحاجة إلى تعديل قانون انتخاب. في محكمة أمن الدولة متسع، ولو تحرك المدعي العام للمحكمة ضد مرشح استخدم شعارا عنصريا تقسيميا فإنه سيردع كل ذوي الأسبقيات المسكوت عنهم.

في التعديل يمكن إيجاد هيئة انتخابية مستقلة، يقوم عليها قضاة ثقات عدول، وفي البلاد عشرات القضاة المتقاعدين المشهود لهم بذلك. وفي الأصل أن الموظف العام هو على مسافة واحدة من الجميع. لكن التجربة منذ العام 93 تؤكد أن السلطة التنفيذية تتدخل وتزور بشكل فاضح أحيانا.

تفاصيل كثيرة يطاولها التعديل، غير أن قضية القضايا هي التخلص من قانون الصوت المجزأ، وإرثه البائس. وهذا ممكن جدا بوجود الإرادة السياسية العليا.

هل تريد التعليق؟