مقالات

لا تطردوا السفير السوري في عمان

لو كان بهجت سليمان سفيرا في بلد أوروبي، لحصل معه ما حصل مع شارون وغيره من مسؤولين إسرائيليين؛ لاحقهم الضحايا الفلسطينيون في جرائم صبرا وشاتيلا وغيرها. ويدرك النظام السوري أن اللوبي الصهيوني، بكل نفوذه، لا يتمكن من التدخل في القضاء الأوروبي، ولذا يتجنب إرسال سفاحي الأجهزة الأمنية إلى بلدان أوروبية.
عندنا بهجت سليمان، اللواء السابق في المخابرات السورية، متهم من المعارضة بالمشاركة في مجزرة حماة وغيرها. ولدينا عشرات المفقودين الأردنيين في أقبية المخابرات السورية، من المؤكد أن اللواء يعلم شيئا عن مصيرهم.
احتفظ سليمان بصلافة رجل المخابرات، ولا يمل من الظهور على الإعلام والتحدث بلغة شبيح وبحق مواطنين أردنيين. ولست هنا بمعرض الرد على الإعلام السوري، فقد نشر عني شخصيا كثيرا من الأكاذيب ما لا أستطيع رصده، كان أطرفها تهريب السلاح. ولكن لا سلطان على الإعلام السوري إلا للأجهزة الأمنية، ومنها بهجت سليمان. في ظهوره على قناة الميادين الإيرانية الناطقة بالعربية، تبين لي مصادر التشويه الإعلامي. فقد اتهم سليمان رئيس اللجنة الأردنية لنصرة الشعب السوري النائب السابق علي أبو سكر، بتدريب الإرهابيين في مزرعته، وإدخالهم عن طريق دولة العدو عبر الباقورة إلى سورية!
لست مدافعا عن أبو السكر، وأعتقد أن اللجنة مقصرة في دعم الشعب السوري، سياسيا وإغاثيا. لكن عندما يزاود عليه جنرال في المخابرات السورية بأنه لم يتظاهر أمام السفارة الإسرائيلية، فأذكره أن أبو سكر اعتقل بسبب ترؤسه لجنة مقاومة التطبيع في النقابات، وأن من يتظاهرون أمام السفارة السورية هم ذاتهم من يتظاهرون أمام سفارة العدو، وهو الذي ورط نفسه عندما يضع سفارة سورية النظام بموازاة السفارة الإسرائيلية. وهذا صحيح؛ فالاستبداد والاحتلال وجهان لعملة واحدة، ومن قُتلوا من الفلسطينيين في الثورة السورية أكثر ممن قتلوا في حرب غزة، ومئة ألف شهيد سوري يستحقون التضامن معهم مثلهم مثل الفلسطينيين.
كنت سأكتفي بالضحك لو شاهدت ذلك على لسان شبيح إعلامي أردني أو سوري أو لبناني، لكن أن يصدر هذا على لسان سفير معتمد، فهذا يتطلب إجراء دبلوماسيا من وزارة الخارجية الأردنية. وسأفترض احتمال صحة التهريج وكذبه. فإن صح، فإن السفارة تقوم بمهام تجسسية على سياسي أردني ونائب سابق، ولا تكتفي بالتجسس على مزرعته الخاصة، بل تصل إلى حدود المملكة مع العدو، وهي منطقة حساسة أمنيا، وتحت تصرف الجيش وليس جهة أخرى.
هذا إن صدق السفير وهو كاذب. وأن يكذب على الدولة المضيفة له فهذه جريمة دبلوماسية، وليست أخلاقية وقانونية فقط. هل يقبل من السفير الأردني في دمشق أن يقول كلاما كهذا؟ طبعا، سليمان تفهم موقف الدولة الأردنية وتحدث بلياقة عنها، مع أن موقف الدولة السورية هو ما عبر عنه بشار شخصيا، وهو تحذير وإدانة واتهام. السفير يحفظ خط الرجعة ويريد أن يبقى في عمان بعد سقوط النظام. وستكون لديه حسابات في البنوك يستطيع التصرف بها. وهو بحكم “ليبراليته” على مستوى فردي، لن يستطيع العيش في إيران، ولن يستقبله بلد خليحي ولا أوروبي.
كنت قد طالبت بطرد السفير، أما اليوم فأطالب ببقائه. وبعد سقوط النظام، ستسقط صفته الدبلوماسية، وسيتمكن ذوو المفقودين الأردنيين من ملاحقته، تماما كذوي الضحايا السوريين. صحيح أن العالم ظلم السوريين وتركهم يُذبحون، لكن العالم ذاته لم يحمِ الطغاة وتركهم لمصيرهم، وبانتظار العدالة، ولو نسبية وانتقالية.

هل تريد التعليق؟