مقالات

لا تغادر يا بوش!

خلافا للشعارات غير المرحِّبة بالرئيس الأميركي التي أطلقها المتظاهرون في عمان أقول “لا تغادر يا بوش”. فمشكلتنا مع الأميركيين تكمن في أنهم لا يفهموننا ولا يريدون فهمنا. والساعات التي يمضيها بوش في المنطقة غير كافية لفهم ما يجري في فلسطين والعراق. وفي الأردن يستطيع أن يرى الصورة عن قرب، ويكتشف أي كارثة فعلها أسلافه في فلسطين وأي كارثة فعلها بنا في العراق.

زهاء نصف الشعب الأردني من اللاجئين والنازحين، ربما لا يعلم السيد الرئيس أن من مستقبليه من لا يستطيع العودة إلى بيت جده بسبب الاحتلال الإسرائيلي المدعوم أميركيا. أما احتلال العراق وما تلاه من حرب فقد شرد للأردن، بحسب تقرير هيومان رايتس ووتش الأميركية, نصف مليون، والأردن غير قادر على توفير المياه لسكانه وليس لديه قدرة على رعاية من قذفتهم حرب بوش “التحريرية”.

والإجراءات الأمنية التي تشهدها الفنادق ليس بسبب زيارته، بل بسبب الانفجارات التي وصلت حممها إلى قلب عمان، ببركات حربه أيضا. الأردن بين حجري الرحى في العراق شرقا وفلسطين غربا، ولذلك تجد نسبة العداء للسياسة الأميركية قياسية على مستوى عالمي. وبحسب مسوحات الرأي العام فالعداء ليس أيديولوجيا ولا ثقافيا ولا دينيا؛ المشكلة سياسية بسبب السياسة الأميركية الجائرة.

على بوش ألا يغادر مكتفيا بصور المتظاهرين، بإمكانه أن يلتقي بهم ليعرف كم هم محقون. وسيسمع من الجانب الرسمي كلاما لا يختلف كثيرا عما يتداوله الشارع وإن كان بلغة ألين. الزيارة سبقتها تحذيرات ملكية من ثلاث حروب أهلية، والمالكي طرد من معقل الائتلاف في مدينة الصدر، وعلق التيار الصدري الحليف الأوثق له مشاركته بالحكومة والبرلمان بسبب لقاء المالكي مع بوش. وعلى بوش أن يتذكر أن التيار الصدري هو من رجح كفة حزب الدعوة في الائتلاف ضد مرشح المجلس الأعلى عادل عبدالمهدي.

الغائب الحاضر أبو مازن ماذا سيقول لو حضر؟ ماذا سيقول إسماعيل هنية لو حضر؟ الشعب الفلسطيني يتعرض لحرب إبادة تستهدف أطفاله ونساءه قبل رجاله ومقاتليه المدافعين عما تبقى من أرض. إن كان بوش يدري فتلك مصيبة وإن كان لايدري فالمصيبة أعظم.

بماذا سيعد الرئيس بعد لقاءاته في عمان؟ الكل متأكد أنه لن يفعل شيئا، ولكنه سيقدم وعودا ومراجعات في أحسن الأحوال. هل بقي من يصدقه في المنطقة؟ سبق أن دق صدره منتخيا للديمقراطيين في المنطقة، فأين وعود الديمقراطية والإصلاح؟ هنا تتجلى مأساة حلفاء أميركا في لبنان مثلا. أما معارضوها فيحمدون الله أنهم لم يصدقوا تلك الوعود ابتداء. ملف الإصلاح متوارٍ خجلا لصالح ملفات العسكر والأمن في العراق وفلسطين، والراجح أن لا أمنَ يبقى ولا شوطَ في الإصلاح يقطع!

الزيارة مكسب كبير للدبلوماسية الأردنية لا شك، وتثبيت لمكانة البلد استراتيجيا، أما على الأرض فلن يكون ثمة تغير كبير, والنجاح الكبير والتاريخي أن تضع الولايات المتحدة رجلها في الطريق الصحيح ولا تمضي في ضلالها المودي بها وبالمنطقة إلى الهلاك. وأول خطوات العلاج تكمن بالتشخيص الصحيح، وبالقطع كان تشخيص إدارة بوش لأوجاع المنطقة التي أوجعت أميركا كارثيا. الناس هنا تريد أن تعيش على أرضها بكرامة بلا احتلال وبلا استبداد مثل باقي البشر.

يغادر بوش سريعا للأسف، وهو متهم في بلاده بأنه بطيء الفهم، ومنطقتنا بالغة التعقيد، على أمل أن يستوعب ولو البديهي والبسيط من مشاكلنا.

هل تريد التعليق؟