مقالات

لا حل بغير نقابات معلمين واتحادات طلبة

اختفت الصورة الحالمة للمدارس التي يتزاحم فيها الطلبة ناهلين من معين المعرفة، لم يعد القلب يخفق فرحا عند مشاهدات الأطفال متجهين إلى مدارسهم صبحا كأنهم أزهار الربيع، لم يعد المعلم ذلك الوقور المهندم ، إنهم بحاجة إلى “الاهتمام بلباسهم ومظهرهم وحلق ذقونهم قبل المطالبة باقامة نقابة للمعلمين”. على ما نسب لوزير التربية والتعليم.

ولا أنكر على الوزير تصريحه، فعلى قول الفيلسوف ميشال فوكو “الشكل يحقق المضمون”، وفي سنيّ الرفاه الأميركية الغابرة أيام رئاسة كلينتون كان مدير الاحتياط الفيدرالي ألان جرينسبان يستخدم زيادة أرباح محلات الكي والتنظيف مؤشرا على رفاه المواطن الأميركي، وحال المعلم يتطلب “ديرتي لوك”، بحسب “الموضة” الرائجة هذه الأيام.

يحزن القلب على ما آل إليه التعليم العام في البلاد، وهو حق للمواطن نص عليه الدستور، فإن كان، بحسب الاستطلاع الذي أعدته الوزارة بالتعاون مع مركز الدراسات الاستراتيجية، أكثر من 60 في المئة من الطلاب تلقوا دروسا خصوصية فما هي أهمية المعلم؟

في مقابلته مع مجلة “السجل” يكشف الوزير إبراهيم بدران لماذا لا يحلق المعلمون ذقونهم، يقول “نخسر سنويا ما يقارب ألفي معلم يذهبون للتدريس في الخارج”. ويترتب على ذلك أن الوزارة “تضخ سنويا ما يقارب خمسة آلاف معلم جديد يدخلون إلى الميدان من دون مهارات مهنية”!

الخطورة في المقابلة هي الفلسفة اللامركزية الانسحابية من التعليم الأساسي، إذ يخلص إلى أن “اللامركزية هي الحل، هنالك 42 منطقة تعليمية يشرف مدير كل منها على آلاف من الطلبة والمعلمين في منطقته ويتمتع باستقلالية كبيرة”!

لك أن تتخيل منطقة تعليمية في البادية الشرقية، يشرف عليها مدير يحظى بـ”استقلالية كبيرة” ولا يجد معلم فيزياء، هل يستعين بمدير التربية في الجانب السوري أو السعودي أو العراقي لاستيراد معلم يدفع نفقته مربو المواشي؟

حقق الأردن النهضة التعليمية التي أشاد بها البنك الدولي في الأربعين سنة الماضية، لأن مدارس الثقافة العسكرية كانت تصل إلى أماكن لا طرق فيها ولا مياه ولا كهرباء، ولأن وزارة التربية والتعليم كانت مسؤولة عن التعليم خاصا وعاما على السواء، ولم يكن الوزير يقبل بظاهرة “الجزر” التربوية المنفصلة عن محيطها الثقافي والاجتماعي.

وإذ يكرر الوزير مقولة شح الموارد يتحدث عن الجانب المعنوي، والسؤال، ألا يعتبر كسبا معنويا لأكثر من ثمانية وثمانين ألف معلم وجود نقابة؟ وما الذي يمنع من وجود اتحادات طلابية لنحو مليون ونصف المليون طالب؟ ألا يسهم ذلك في إيجاد لغة تواصل بين ركني العملية التربوية بدلا من التحدث عنهم وإليهم من عل؟

الحل ليس باللامركزية التي ستدمر البقية الباقية من التربية والتعليم، وأنما بمزيد من مركزية الوزارة التي يجب أن تعاد إليها كفاءات وخبرات قادرة على التواصل مع المعلمين والطلاب من خلال المؤسسات النقابية.

هل تريد التعليق؟