قبل أن أزور العاصمة الأميركية كنت أعتقد أن أكثر مدينة توجد بها دور عبادة عمان. فقلّ أن تجد حيّاً، ولو صغيرا يخلو من كنيسة خلافا للانطباع الخاطئ عن مجتمع علماني. غير أن الكنيسة عندهم تقوم بدور ثقافي واجتماعي يتجاوز دار العبادة, وهو الدور المقصور على المساجد بعد أن حوصر دورها “السياسي” في ظل الجفاء والتصعيد مع الحركة الإسلامية.
بحسب آخر إحصاء عام أجري في العام 2006، فإن عدد المساجد في المملكة أربعة آلاف وخمسين مسجدا. وفي الإحصاء ذاته فلا يزيد عدد المراكز الثقافية في المساجد على 30 ذكوراً وإناثاً! ومن يتابع أوضاع المساجد وخصوصا في عمان الغربية يلحظ الإسراف والبذخ في بنائها مقابل غياب المرافق الثقافية والترفيهية التابعة لها. في أميركا 450 ألف كنيسة لعدد سكان 304 ملايين، أي أكثر من ضعف النسبة في الأردن.
ليس من الدين التوسع في بناء المساجد، فقد جعلت الأرض مسجداً وطهوراً، وفي عهد النبي عليه السلام وفي أوج الحضارة الإسلامية لم نشهد هذا التوسع. وفي الوقت الذي يحفل القرآن الكريم بالثناء على رواد الذاكرين والساجدين وعُمّار المساجد تنهى السنة، وهي شارحة للقرآن عن الإسراف في زينة المساجد وزخرفتها.
يحتج بروائع المساجد في الحضارة الإسلامية، ويغيب عن البال أن تلك الحضارة بنيت على أوقاف من دور العلم والمخطوطات ولم تقتصر على دور العبادة فقط. وتدهش عندما تطلع على المخطوطات من حجم الوقف عليها قبل اكتشاف المطبعة. ولا تجد الوقف يقتصر على المصاحف وكتب الفقه، بل يتعدى ذلك إلى مختلف صنوف العلم بما فيها كتب الرحلات.
نحتاج أولا إلى ثقافة تحيي مفهوم الوقف، فلا يقتصر على بناء المساجد دون بناء العقول. فما معنى أن تغيب المكتبات والمراكز الثقافية عنها؟ هل هو افتراض الجهل بروادها؟ فالمفروض أن تُبنى مكتبة تفتح للعامة مع كل مسجد.
وثانيا نحتاج إلى تطوير قوانين الوقف بحيث يوقف للمكتبات والحدائق ودور الأيتام وطلب العلم، وكل ما يقع في سبيل الله.
تضم مكتبة أمانة عمان أكثر من مليون كتاب وعندما احتاج أمين العاصمة، عمر المعاني، كتاب “البقاء في عالم متغير” للكاتب حسني عايش قالت له موظفة المكتبة أن الحاسوب معطل، وعندما طلب أن تبحث عبر الفهرس الورقي اعتذرت لأن الدرج مغلق. طبعا لم تكن تعلم أنه أمين عمان!
ألا تستحق مكتبة الأمانة وقفية تضمن الحفاظ على الكتب وتسهل الوصول إليها وتؤمن للقارئ غير القادر على شراء الكتب إمكان الحصول عليها؟ بدلاً من بناء المساجد بأفخر أنواع الحجر ألا يمكن طباعة كتب ووقفها، كما فعل الأسلاف قبل اختراع المطبعة؟
من حق الناس أن تعمل لآخرتها، وعلى وزارة الأوقاف أن توجه من يبنون المساجد بحيث يكون هناك متسع لترفيه الأطفال ومكتبة للثقافة ومشغل للتعليم وغير ذلك. مما يساعد في عمارة المساجد بالبشر لا بالحجر.
كلمة أخيرة لغير المتدينين الذين يكثرون من الهجوم على التيار الإسلامي. تجد المتدين ينفق ملايين على بناء مسجد ولا تجد علمانيا ينفق شيئا يذكر على طباعة كتاب أو بناء مكتبة أو حديقة.
هل تريد التعليق؟