مقالات

لماذا لا نحتاج قانون مطبوعات؟

كان آخر قانون مطبوعات صيغ بنوايا ديمقراطية، في الجمعة المشمشية الديمقراطية، في مجلس النواب الحادي عشر. الجيل الفاعل من الصحفيين، بخيرهم وشرهم، هو نتاج ذلك القانون الذي كسر احتكار الحكومة لوسائل الإعلام، ورفد الصحافة بجيل كامل من الصحفيين كان سيظل منبوذا معزولا في القانون القديم. أركان الإعلام الرسمي اليوم هم أبناء ذلك القانون. سميح المعايطة، وزير الدولة لشؤون الإعلام، بدأ في “الرباط” و”السبيل”؛ ورمضان رواشدة، مدير الإذاعة والتلفزيون، كان في “الأهالي”. وعندما تدقق في أسماء أبرز الصحفيين والكتاب، تجدهم أبناء تلك المرحلة.
لم تتوقف محاولات القوى الرجعية الفاسدة المعادية للديمقراطية من يومها لإجهاض القانون، سواء بالتشريعات السخيفة أو الممارسات الأسخف. ولم تثنهم الهزائم التي لحقت بهم، بدءا من إيقاف محكمة العدل العليا للقانون المعدل العام 1997. ولم تسلم تلك القوى بالهزيمة أمام ثورة الاتصالات التي دمرت ما أقيم من جدران وقيود. ولا يمر عام دون محاولة لإقرار قانون أو تعديل أو نظام، في ظاهرها للتنظم وحماية الأفراد والمجتمع والهيئات، وفي باطنها القمع والتضييق.
لا أصدق ادعاءات الحكومات المتعاقبة بخصوص المواقع الإلكترونية. فهي تخشى ارتفاع سقف التعبير فيها، وتشجع السلبي فيها من الابتزاز والإساءة واغتيال الشخصية.
وأي شاب طموح يجد في الابتزاز والرشوة والنصب واغتيال الشخصية ومجافاة المهنية سلما لتحقيق مبتغاه، سواء في التكسب البسيط  بعشوة أو سهرة، أو جني الآلاف من إعلانات الشركات المملوكة للدولة، وتجميع رواتب متعددة لوظائف استشارية وهمية معفاة من ضريبة الدخل! والدولة هي المشجع والممول من جيوبنا؛ فنحن دافعو ضرائب الدخل والمبيعات وغيرها، وهم جامعو الرواتب المتعددة والامتيازات السرية والعلنية. وسيأتي يوم يكشف فيه كم دُفع لبعض المواقع الإلكترونية التي يشتكى منها، وكيف أُسست ودُعمت، مواقع وصحفا وتلفزيونات، بقصد الإساءة والتشويه واغتيال الخصوم السياسيين معنويا.
إن الإعلام الحر المستقل عن الدولة، سواء كان شركة أم حزبا معارضا، خدم الدولة والمواطن أكثر بكثير من الإعلام الحكومي، وظل عرضة للاستهداف والتدخل والإفشال والتعطيل، ولم يحظ بتعامل حضاري وفق الدستور والقانون. وما تعرض له تلفزيون “جو سات” مؤخرا، مع التحفظ على ما صدر من عبارات مخالفة للقانون، يدل على أننا لسنا بحاجة إلى قانون ينظم، بما أن وقف البث يتم بطريقة لا يعلم بها غير الله! وقد سبق أن قطع بث مواقع إلكترونية بنفس الطريقة، فسبحان الله كيف ينتقم منهم!
لا نحتاج إلى قانون جديد، لأن القوى الرجعية لا تحتاج قانونا لفرض سلطانها، ولأن الصحافة الديمقراطية تجاوزت كل القيود بفضل إرادة الأحرار من الصحفيين، وثورة التقنية والاتصالات. لكنها جولة جديدة من معارك لا تنتهي، ولا داعي لها لو كانوا يعقلون.

هل تريد التعليق؟