من يرجع إلى سجلات الأمن العام أو الصحافة في استهلال انتخابات 1989 يلحظ بوضوح أن العبء الأمني للانتخابات لم يكن واردا. ولم تكن البلد في حال تأهب تحسبا ليوم الانتخابات، الذي يحبس الجميع أنفاسه فيه، ليس تحسبا من مفاجآت سياسية بقدر ما هو تخوف من عنف اجتماعي يوشك أن يتداخل مع السياسة.
بالأمس، وقعت ثلاثة حوادث مؤسفة، يدمي القلب الدخول في تفاصيلها. وارتبطت بشكل مباشر أو غير مباشر بالانتخابات. كلنا فيها خاسرون ولا أرباح فيها. والمأمول ألا تتوسع مثل هذه الحوادث، وأن تطوق في أسرع وقت، وأن يمضي يوم الانتخابات بسلام.
كان من يتحدث عن ظاهرة “العنف الاجتماعي” متهما بالمبالغة والافتعال، بعد صدور وثيقة المجلس الاقتصادي الاجتماعي”سـيادة القـانـون: أمـان المـواطـن وأمـن الـوطـن” التي قدمت تحليلا وحلولا، بدا واضحا أن ثمة إدراكا من الدولة والمجتمع للمخاطر المترتبة على هذه الظاهرة.
اعتبرت الدراسة أن “بَسط الأمن المجتمعي ليس مسألة إدارية أو عملياتية مجردة، بل هو منظومة متكاملة عمادها المواطن وشعوره بالمسؤولية التي تبدأ بالتزامه هو نفسه بالقانون، والحرص على تعزيز مكانته في حياة المجتمع، فهذا هو أساس المواطنة الحقة والأساس الذي تبنى عليه معايير وقيم المساواة وتكافؤ الفرص. فالدول المتقدمة تقوم على المؤسسات وسلطة القانون، ولذلك يبقى الأمن قاصراً إن لم يكن المواطن شريكاً في تحمل مسؤولياته تجاه بسط سيادة القانون، بهذا كلما تقدم المجتمع أكثر، وزاد التزامه بالقانون، قلّت تكلفة ومظاهر فرض وإشاعة الأمن وتعميمه في ربوع الوطن”.
ولا شك أن الدراسة التي جاءت ثمرة حوارات معمقة قدمت أساسا نظريا للحلول إلا أنها تبقى مجرد مقالة تصلح لأغراض الترقي العلمي ما لم تتحول إلى تشريعات وقرارات وموازنات وتمويل. والمسألة ليست ترفيها بل هي وجودية، وكثير من المجتمعات انهارت بقوى التفكك الداخلي بمعزل عن التأثيرات الخارجية.
يؤخذ على الدراسة أنها، وربما لاعتبارات بيروقراطية، خففت الجرعة السياسية. وفي ظل موسم الانتخابات علينا أن نعطي السياسة حقها. مع حفظ الاعتبار للعوامل الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والتربوية والقضائية التي فصلت فيها الدراسة.
لم يكن الأردن هكذا. كل الجهود لتزييف التاريخ والوعي لا تقنعنا بأن دمنا ليس برقبة قانون الصوت الواحد عام 1993. المجالس السابقة حتى في غيبة الأحزاب في ظل أحكام الطوارئ ظلت سياسية. حتى المجلس الوطني الاستشاري المعين كان سياسيا من طراز رفيع. سليمان عرار كان رئيس المجلس المعين وانتخب في 89 رئيسا لمجلس النواب. لنقارن انتخابات معان عام 89 بانتخابات هذا العام. نفهم الفرق. ألم يكن سليمان عرار يختلف سياسيا مع يوسف العظم؟ عبدالكريم الكباريتي لم يكن يتفق معهما. هذه محافظة معان ليس في العصر العباسي، والعنف في أحداث معان 89 لم يكن ثأرا عشائريا كان لقضايا وطنية عامة أفضت إلى التحول الديمقراطي. المشكلة، في المقام الأول، سياسية والحل سياسي لمن أراد أن يجد حلا.
هل تريد التعليق؟