مثل الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن تصرفت وزارة الخارجية بقوة وحكمة واقتدار، لم تستفز من التسريبات الواهية التي نشرتها الصحافة الإسرائيلية السخيفة، تقدمت باستيضاح من الخارجية الإسرائيلية. هكذا تتصرف الدول الراشدة المتزنة. ولا تنجر وراء الغوغائيين.
وصل الاستيضاح إلى ليبرمان، وهو سياسي من طراز رفيع، ولم يفز بالانتخابات لولا نضج الرأي العام الإسرائيلي وإيمانه بضرورة منح الشعب الفلسطيني حقوقه الطبيعية في العودة والدولة والقدس.. أجاب على الاستيضاح بمرافعة اعتذارية مبللة بالدموع يقر فيها بالمسؤولية التاريخية عن طرد الفلسطينيين من أرضهم.
نستوضح من ليبرمان عن طرد الفلسطينيين؟ لا تحتاج وزارة خارجيتنا، ولا الناطق باسم الحكومة، إلى من يعرّفهم بهذا الوزير الذي بدأ حياته بلطجيا في ناد ليلي يضيق بالطلبة العرب في الجامعة العبرية، وانتهى نائبا يضيق بالعرب في مناطق 48 ويدعو لطردهم. مثله لا يقدم له استيضاح.
لا يخجل الساسة الإسرائيليون من وجود بلطجي بينهم ويقدمونه للعالم وزيرا للخارجية، وهو بالنهاية التعبير الصريح عن المشروع الصهيوني باعتباره أكبر مشروع بلطجة عرفه التاريخ البشري.
والبلطجة هي أعمال اليد وتحدي القانون، ومنذ قيام دولة العدوان لم تتخل عن هذا المبدأ في طرد الفلسطينيين من أرضهم العام 48، أو في حرب غزة الأخيرة، أو قرارات الطرد التي سربتها الصحافة الإسرائيلية المعروفة بمهنيتها العالية.
وبموجب القرار، حسب ما نشرت “الغد” أمس، فإن جنود الاحتلال سيبدأون هذا الأسبوع في تطبيق الأمر العسكري، الذي سيعتبر كل “مقيم” في الضفة الغربية بشكل “غير قانوني”، أي بموجب قوانين الاحتلال سيتعرض للطرد الفوري، فإن اتضح أن وجوده في الضفة منذ فترة قريبة بمعنى منذ بضعة اشهر، فسيتم طرده من وطنه خلال ثلاثة أيام، أما إذا كان وجوده في الضفة الغربية منذ سنوات، فإنه مهدد بالاعتقال والسجن سبع سنوات، وغرامات مالية تصل إلى حوالي ألفي دولار.
لسنا دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، لكن يدرك الإسرائيليون، على تدرج تطرفهم، من ليبرمان إلى بيريز، أن العبث باستقرار الأردن صاحب أطول خط مواجهة، سيفتح أبواب جهنم عليهم، وإن كانت إيران تطور صواريخ قارية فإن مفاعل ديمونا يبعد عن وادي عربة مرمى حجر، ولم يبعد عن ذلك بعد معاهدة وادي عربة.
بمعزل عن التفاصيل، فهو قرار يمسنا وجوديا، فالدولة الأردنية لا تحتمل عبثا بديموغرافيتها، وتنتحر إن سلمت بحق الإسرائيليين في تهجير من تعتبرهم عبئا سكانيا عليها. وهم دولة البلطجة التي لا تقيم وزنا للقانون الدولي ولا لمعاهدات السلام وما تناسل منها، تحكمها حدود القوة التي تملكها.
نحتاج إلى “ليبرمان أردني” يقول لليبرمان أنت مقيم غير شرعي تستحق الطرد، ولا نحتاج إلى “حكماء” يستوضحون منه عن قرارات الطرد.
هل تريد التعليق؟