شاهدت مقطعين على موقع “يوتيوب” لأردنيين يحرقان جوازي سفرهما، بعد التحاقهما بتنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” المختصرة بـ”داعش”. الأول ما يزال طفلا، وصف نفسه بأنه من أحفاد الزرقاوي. والثاني، شاب يافع يبدو في العشرينيات من عمره، يتزنر بحزام ناسف، ويتوعد بالمفخخات وأطنان المتفجرات.
لن ترتعد فرائص هذا الشاب وهو يتابع العقوبات التي يفرضها مجلس النواب الأردني عليه في قانون “منع الإرهاب”. وهو أيضا لم يصغ لزعيم “القاعدة” أيمن الظواهري في نقده “داعش” التي لم تتردد في قتل مخالفيها حتى من رفاق الجهاد في “جبهة النصرة”؛ وبنظرها أن تنظيم القاعدة انحرف عن خط الجهاد الذي رسمه مؤسسه أسامة بن لادن.
من المبالغة اعتبار أن مقاطع الفيديو تعبر عن أكثرية الجهاديين في سورية، وخصوصا الأردنيين منهم. لكن في المقابل، لا يجوز الاستهانة بهذه الظاهرة. فالأكثرية ذهبت لرفع الظلم عن السوريين، ومنهم من عاد وواصل حياته الطبيعية. ومن بقوا يقاتل جلهم قوات النظام التي تقتل السوريين.
هذا الشاب وغيره، هم ضحايا الردة عن “الربيع العربي” الذي أشرع أبواب التغيير في ثورات سلمية، وصفها زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، في آخر تسجيل له قبل مقتله بـ”المباركة”. لكن لوثة الاستبداد الدموي في النظام السوري شوهت الثورة السورية التي ظلت سلمية نصف عام، بقدر ما أسست لمرحلة دموية خارج سورية، غرقت فيها مصر.
قبل “الربيع العربي”، فإن هذا الشاب هو ضحية الطائفية الدموية التي دمرت العراق. فزعيم “داعش” الملقب بأمير المؤمنين أبو بكر البغدادي، هو إبراهيم عواد السامرائي؛ في الأربعينيات من عمره، وحاصل على الدكتوراه في الشريعة. كان أميرا لفصيل مسلح، وخطيب جمعة، قبل التحاقه بمجلس شورى المجاهدين ثم “الدولة”. لم يعرف من الدنيا غير الجثث التي كانت تشيع في الحرب العراقية-الإيرانية، ثم خلال الحصار، والأسوأ كان في حقبة الاحتلال وما تلاه من حرب أهلية لم تتوقف حتى اليوم.
قبل إطلاق وصف “إسلامية” على دولة العراق والشام، يحتاج السامرائي وأتباعه أن يقنعونا بوجود “الدولة”. فهذه الدولة بحدودها المعلنة “الشام والعراق” تضم فلسطين، أي جنوب بلاد الشام، وللأسف فإنها محتلة، ولا يستطيع
” أمير المؤمنين” زيارتها! وفي العراق، الوضع ليس أفضل، حيث تُمارس سياسة تطهير طائفي بحق بغداد وغيرها، ولا يستطيع “أمير المؤمنين” حماية السنة في أحيائهم.
الدولة الإسلامية التي يهتفون بأنها “باقية” لم تقم أصلا، والمناطق التي كانت تسيطر عليها منذ اليوم الأول، هي نهب لقوات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. ولم تُعرف هوية أميرها الأول إلا بعد مقتله في عملية مطاردة عسكرية، والأمير الحالي عرفته أجهزة الأمن ولا تعرفه العامة حتى تبايعه، وهو عمليا زعيم تنظيم يسيطر على بعض المناطق في الأنبار والرقة، وهي سيطرة عسكرية لا “دولة”.
دولة لا تحمي أميرها ولا مواطنيها ليست دولة؛ الدولة التي لا علاقة لها مع العالم الخارجي ولا سفراء لها ليست دولة، ناهيك عن الخدمات الأساسية التي تقدمها للمواطن، من صحة وتعليم وكهرباء وبنية تحتية. العلَم ومجموعة من المقاتلين الانتحاريين وأطنان متفجرات، لا تقيم دولة، ولا تنهي دولة.
هل تريد التعليق؟