لم أسمع منذ بداية الثورة السورية إلى اليوم، بجهة في الأردن تطالب بأن يرد الأردن على القصف السوري بقصف مماثل. فالذين يؤيدون الثورة السورية هم الأكثرية الساحقة من الأردنيين، عامة ونخبة، وتهمهم مصلحة بلدهم، تماما كما تهمهم مصلحة الشعب السوري. ويعلمون جيدا أن هذا النظام مجرد من أي قيم أو أخلاق تردعه عن ارتكاب جرائم في الأردن، ليس فقط من خلال القصف على القرى الحدودية، وإنما من خلال التفجيرات والعبوات وغيرها من أساليب إرهابية.
من الواضح في عدوان الطرة، الذي كاد يودي بحياة أسرة أردنية لولا لطف الله، أن قدرات شبيحة بشار في الأردن لا تتعدى لملمة العشرات أمام السفارة السورية، والهتاف “شبيحة للأبد لعيونك يا أسد”. وفي النهاية، بشار لن يبقى للأبد، وسيكون لدينا سفير سوري في المستقبل القريب يعبر عن مصالح الشعب السوري لا عن مصالح جهاز الأمن الذي يعمل فيه. ولن يحتاج إلى شبيحة ينتظرون عطاياه ودعواته وسفراته.
أراد النظام إيصال رسائل دامية؛ فكانت صاروخ الطرة. ولو كان لديه ميشال سماحة أو حزب العمال الكردستاني لكانت الرسائل أكثر دموية وإجراما. والطريف أن الشبيحة لا نسمع منهم تفسيرا لمؤامرة ميشال سماحة، ولا دفاعا عنه، مع أنه كان ملهما لهم. وفشل النظام السوري في اختراق المجتمع الأردني إنجاز يسجل للمواطن والدولة، بقدر ما هو تعبير عن انهيار ذاك النظام وضعف قدراته التخريبية.
ما يدعو للغثيان هو وقاحة نظام بشار وشبيحته في الأردن. فالسفير الذي كان مسؤول الأمن الداخلي في جهاز أمن الدولة، وفي رقبته عشرات المفقودين الأردنيين، لم يكلف نفسه بالاعتذار عن “الخطأ” في أحسن الأحوال. فالبني آدم الطبيعي لو كان يقود سيارة تسببت في إصابة طفلة في العيد، فإنه يقطع إجازته ويقوم بالواجب الإنساني. سفيرهم لم يكلف نفسه بإجابة الاستدعاء الرسمي من وزارة الخارجية، وتصرف بجلافة لا تنم عن احترام لدم طفلة أردنية، ولا لدولة شقيقة. لا يرد على الوقاحة بتصريحات المسؤولين عن “تعالي” و”عجرفة”، بل بطرد هذا السفير. وهي خطوة يخطوها أي بلد يحترم نفسه. وهي لا تعني أن الأردن دخل في حرب مع نظام بشار.
إن سياسة النأي بالنفس قد تكون ستارا للاستكانة وازدراء النفس. في السياسة ثمة تدرج واسع، ولا تبدأ بالدخول في مواجهة عسكرية. وهذا الموقف الضعيف تجاه العدوان شجع السفير على استعراض جماعته أمام السفارة، وكان الأولى بهم أن يرسلوا ورودا للطفلة التي أريق دمها، بدلا من “شبيحة للأبد”. وليفهمنا الشبيحة: لماذا تخطئ القذائف مع الأردن ولبنان وتركيا ولا تخطئ مع العدو الصهيوني في الجولان؟ تسقط طائرة تركية في البحر ولا تسقط طائرة إسرائيلية تحوم فوق قصر الرئيس وتدك المشروع النووي؟ يصيب الرصاص “الطائش” جنديا أردنيا، ولا تخطئ الصواريخ الطائشة منزلا أردنيا، وعلى بعد أمتار مع العدو الصهيوني يتحول كل الطيش إلى عقل وذكاء واتزان! إن طرد السفير المتعالي والمتعجرف أقل إجراء يمكن أن نقوم به. وعلى أحمد الحلايقة، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، أن يستجوب الحكومة إذا لم تقم بإجراءات تعبر عن احترامها لدم الإنسان الأردني وحدود بلده. وهذا أقل جواب على الرسالة الدامية التي أرسلت.
هل تريد التعليق؟