مقالات

ليفنجستون بين لندن وعمان!

في أعظم وأعرق البلدان الصناعية في العالم، لندن، لم يجد عمدتها العظيم كين ليفنجستون من حل لأزمة السير الخانقة غير استخدام قطار الأنفاق بنفسه. فالعمدة عندما يستخدم المواصلات العامة بقدر ما يقدم قدوة ونموذجا يعرف بنفسه عيوب قطاع النقل العام ويطوره ويحسنه.

خطوات إبداعية أخرى لها علاقة بساعات الانطلاق مكنت الرجل من حل الأزمة. نجاحاته الخدمية جعلته يدخل – منتخبا طبعا- العام الثامن في ولاية واحدة من أهم العواصم الخدمية وبفارق أصوات كبير. ولأن المناصب غير مخلدة ولا مديدة بغير حد، يتهيأ الزعيم العمالي لدخول ميدان المنافسة على(عشرة داوننج ستريت) متحديا زعامة توني بلير.

العمدة جاء من رحم النقابات التي تشكل العمود الفقري لحزب العمال الحاكم في بريطانيا. وهو لا ينتسب إلى مجتمعات يقال فيها إن على النقابات ألا تتدخل في السياسية، ولا يقال فيها أيضا أن الحكم المحلي محض خدمات يناط بموظفين تعينهم الحكومة. ويستند إلى ديمقراطية تضرب جذورها إلى الماجناكارتا، وهو ابن اليسار الأوروبي الجديد الذي يستعيد اليسار المختطف من توني بلير وأشباهه الذين حولوا إرث اليسار العريق إلى هامش على متن المحافظين الجدد.

في الوقت الذي يوصف زعيم حزب العمال توني بلير بأنه “كلب بوش”، وفي ذلك ذاعت أغنية شهيرة، يعتبر كين ولفينجستون حليف أعداء بوش من المستضعفين في الأرض. واستخدم صلاحيته الواسعة، عمدة للندن، في استقبال شخصيات لا ترحب بهم حكومة بلير. فكان العمدة في استقبال الشيخ يوسف القرضاوي الذي ما انفكت الصحافة الغربية تصفه بمفتي الارهاب بعد دعمه لحركات المقاومة في العالم العربي والإسلامي. وعلى غير المعتاد لم يكن توني بلير في استقبال الزعيم الثوري الجديد هوغو شافيز. احتفى به العمدة زائرا كبيرا للندن على رغم ضجر ساكن عشرة داوننج ستريت.

ما كان العمدة لينجح سياسيا لولا نجاحه خدميا والعكس بالعكس. وما كان ذلك ليتم لولا آليات المجتمع الغربي التي لا تنتج فقط حواسيب وسيارات ومستحضرات تجميل، بل تنتج عمدة بهذا الوزن. في العالم الإسلامي، مع فارق التجربة والثقافة، عرف نموذجين زاوج الخدمات بالسياسة رجب طيب أوردغان، عمدة اسطنبول، وأحمدي نجاد، عمدة طهران،  ولا يستبعد أن يكرر عمدة لندن تجربتهما في الانتقال من الحكم المحلي للحكم العام.

 بريطانيا ليست توني بلير ووعد بلفور وغير ذلك من شرور عانت منها أجيال. وتغيير البريطانيين لا يكون بتفجير أنفاق قطاراتهم. تخيلوا كم سيكون بوش وبلير سعيدين لو قضى عمدة لندن في تفجيرات الأنفاق. سيذرفان دمعا مصطنعا عليه لكن سيسران لبعضهما بابتسامة خبيثة: لقد قتل على يد من ظل يدافع عنهم، الآن عرف عدالة حربنا ضد الإرهاب. في بريطانيا تحركت أكبر المظاهرات المعادية للحرب في العراق، وفيها يجد المظلومون من العرب والمسلمين من يتضامن معهم.

ما لنا وكل ذلك؟ في عمان نحتاج عمدة لندن ليس لمواقفه السياسية النبيلة – على عظمتها– نحتاجه لحل أزمة السير في الصيف الخانق. للأسف لن يجد العمدة قطار أنفاق يستعمله. ولن يجد وسيلة مواصلات عامة تعمل بكفاءة. سيصاب بالجلطة لعدة أسباب: ساعات الانطلاق والذروة؟ اختراع الساعة لم يصلنا بعد، الحافلات تتحرك كما قطعان الخراف بحثا عن الكلأ. لا موعد انطلاق ولا موعد وصول.

سيشاهد جسر عبدون الدوار الرابع، هنا لن ينجو من جلطة محققة. سيبحث عن نهر التيمز تحت الجسر العظيم ولن يجده. سيقال له وهو في الطريق الطويل لغرفة الإنعاش إن المدينة كان فيها نهر يصطاد الأطفال السمك فيه ومن دون مدن العالم اخترع الأردنيون”سقف السيل”، يحسب الحزين أن خطأ ما في الترجمة وقع. سيوضح له أن النهر الصغير تحول لمكرهة صحية كبيرة فسقفت. وصار الناس كما فرعون في الأولين يسيرون في شارع سقف السيل ويقولون:” أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي”.

ليبق العمدة في مكانه، وليبق قانون البلديات عندنا في الأدراج. ولنبق نتحدث عنه في توصيات لجنة الأجندة الوطنية ولجنة كلنا الأردن.

هل تريد التعليق؟